ويستخلص مما قالوه: أن (تنقيح المناط) - هو اجتهاد المجتهد في تعريف الأوصاف المختلفة لمحل الحكم لتحديد ما يصلح منها مناطا للحكم، واستبعاد ما عداه بعد أن يكون قد علم مناط الحكم على الجملة.
وينقسم (تنقيح المناط) إلى أقسام ثلاثة:
١ - ما عرف المناط فيه بورود الحكم مرتبا على وقوع الواقعة، ومثاله ما روي «أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(هلكت وأهلكت، واقعت أهلي في نهار رمضان)، فقال:(أعتق رقبة)(١)»، ففهم من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمران:
أحدهما: وجوب الكفارة على الأعرابي.
والثاني: تعليق هذا الوجوب بما صدر منه، وجعل الفعل الصادر منه موجبا، وهذا الفعل الصادر منه مقيد بقيود: فالنظر في حذف تلك القيود أو اعتبارها نظر واجب مقول به بالاتفاق.
ويتضح عمل المجتهد لتنقيح المناط في مثالنا هذا ببيان أن الجماع -في حق الأعرابي- وقع على وجوه: إذا كان حرا بالغا عاقلا، فالحكم به في العبد والصبي والمرأة إذا جومعت مأخوذ من النظر في (تنقيح المناط).
وهو بالإضافة - إلى المرأة تقييد بخصوص، إذا صادف آدمية حية أنثى منكوحة حرة؛ فالحكم به في الجماع المصادف للبهيمة والميتة، والإتيان في غير المأتى من الرجال والنساء وفي المملوكة التي ليست منكوحة، وفي المنكوحة الرقيقة وفي الأجنبية المحرمة مأخوذ من فهم المناط وتنقيحه.
وهو -بالإضافة- إلى العبادة التي لاقاها وأفسدها مقيد بكونه صوما فرضا أداء في رمضان؛ فالحكم فيما ليس بصوم - كالحج وفي النفل وفي أداء صوم آخر وفي القضاء مأخوذ من فهم المناط وتنقيحه وهو -بالإضافة إلى الجماع- نفسه -مخصوص بكونه إفطارا بمقصود- وهو: قضاء شهوة الفرج، فالحكم في ابتلاع الحصاة، وهو ليس بمقصود وفي الأكل وليس بقضاء شهوة الفرج مأخوذ من النظر في فهم المناط وتنقيحه.
فهذه وجوه من القيود والخصوص اتفقت في الواقعة - التي فيها الحكم: بعضها محذوف لا مدخل له في الاقتضاء.
(١) صحيح البخاري الصوم (١٩٣٦)، صحيح مسلم الصيام (١١١١)، سنن الترمذي الصوم (٧٢٤)، سنن أبو داود الصوم (٢٣٩٠)، سنن ابن ماجه الصيام (١٦٧١)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٨١)، سنن الدارمي الصوم (١٧١٦).