للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما (تحقيق المناط) -فهو إقامة الدليل على أن علة الأصل - المتفق عليها بين المعترض، والمستدل- موجودة في الفرع، سواء كانت العلة -في الأصل- منصوصة أو مستنبطة.

وقد قال الغزالي فيه: (لا نعرف خلافا بين الأمة في جوازه). ومثل له بالاجتهاد في تعيين الإمام بالاجتهاد مع قدرة الشارع في الإمام الأول على النص، وتقدير المقدرات، وتقدير الكفايات في نفقة الأقارب، وإيجاب المثل في قيم المتلفات، وطلب المثل في جزاء الصيد (١).

ثم إن كانت العلة منصوصة أو مجمعا عليها - فإن المستدل يجتهد في بيان تحققها في الفرع: كالطواف الذي نص الشارع على أنه علة طهارة الهرة، فيجتهد المجتهد في بيان تحقق علة الطواف في الفأرة ونحوها من الفروع التي يريد إلحاقها بها.

وقد تكون العلة منصوصا عليها، أومتفقا عليها بين المستدل والمعترض وتصلح أن تكون بمثابة القاعدة التي تندرج تحتها الفروع: كاندراج الجزئيات تحت القاعدة واجتهاد المجتهد -في هذه الحالة- يكون في بيان تحقق اندراج تلك الجزئية تحت الحكم الكلي أو تحقق المطلوب فيما اجتهد فيه.

ومثاله قولهم: في حمار الوحش إذا قتله المحرم بقرة، وذلك لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (٢) فتكون المثلية هي الواجب شرعا، وتعتبر بمثابة القاعدة الكلية، أما تحقق المثلية بين حمار الوحش والبقرة أو الفيل والجمل مثلا - فذلك يعلم باجتهاد المجتهد في تحقيق المماثلة بين ما قتله المحرم والجزاء الواجب عليه.

ونحوه مقادير الكفاية في النفقات على الأقارب فالشارع أمر بالكفاية في النفقة، وكون هذه الكفاية تتحقق بمد من الطعام الفلاني أو غيره أمر يخضع لاعتبارات كثيرة فيجتهد المجتهد في بيان المقدار، الذي تتحقق به الكفاية المطلوبة ليكون مناطا لحكم الشارع في تلك الجزئية بموجب اجتهاده (٣).


(١) المستصفى: (٢/ ٢٣٠).
(٢) سورة المائدة الآية ٩٥
(٣) راجع الروضة: (٢/ ٢٧٧) بتحقيق السعيد