للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالرغم من الظروف القاهرة التي كان يعيشها العرب في الجزيرة العربية، وظروف النشأة الصعبة للدولة الإسلامية، واضطرارها - مع عدم تكافؤ القوى - إلى أن تقاتل في وقت واحد في جبهتين أكبر قوتين في العالم في ذلك الوقت؛ لم تتمكن من الانتصار العسكري والسياسي فحسب، بل أمكنها تغيير حياة الشعوب بصورة جذرية وشاملة، حيث تحولت تلك الشعوب - خلال مدة قصيرة - إلى الإسلام، وقامت حضارة إنسانية من أروع ما شهده التاريخ من حضارات.

وحتى الآن لا يزال المؤرخون في حيرة لتفسير سر هذه الظاهرة المدهشة، التي تستعصي على التفسير الذي تعوّده الناس لأحداث التاريخ، فكيف إذ أضيف إلى هذه؛ القيمة الممتهنَة للعرب عند فارس والروم (١)

وقد عبرت المستشرقة الإيطالية " لورافيشيا فاغليري " عن ذلك بقولها: (لا يزال العقل البشري يقف ذاهلاً دون اكتشاف القوى السّريّة التي مكنت جماعة من المحاربين الجفاة من الانتصار على شعوب متفوقة عليها تفوقًا كبيرًا في الحضارة، والثروة، والخبرة، والقدرة على شن الحرب. ومن أدعى الأمور إلى الدهشة أن نلاحظ كيف استطاع


(١) التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، صالح الحصين، ص ١٧٦. ') ">