للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: إقامة الدليل على وجود تلك العلة في الفرع.

وهذان الأمران قد يثبتان بطرق تفيد القطع، وقد يثبتان بطرق ظنية.

وقد يثبت الأمر الأول بدليل قطعي، والثاني بدليل ظني. وقد يحدث العكس.

فالأول نحو إلحاق جميع أوجه التأنيب والعنف مع الوالدين بالتأفيف، وخاصة الضرب.

فالتأفيف أصل، والضرب وأوجه التعنيف الأخرى فرع، والحكم التحريم، والعلة الجامعة الأذى الثابت كونها علة للنهي في الأصل بطريق الإجماع المستند إلى النص، ووجودها في الفرع معلوم بطريق الأولى حيث إن الأذى بالضرب وأوجه التعنيف أشد من الأذى بالتأفيف، وما دام المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به فإن هذا النوع من القياس يعتبر مقطوعا به، وكذلك إذا كان المسكوت عنه مساويا للمنطوق به في المعنى الذي شرع الحكم لأجله، وهذا النوع من القياس ليس بموضع نزاع فإن المنكرين لحجية القياس لا ينازعون في تحريم الضرب والأذى لدلالة النص عليه وإن خالفوا في تسمية ذلك. وهذا النوع يسميه جمهور الأصوليين بالقياس في معنى الأصل، وبالقياس الجلي.

وأما جمهور الحنابلة فإنهم يرون أن هذا من قبيل دلالة اللفظ، فهو مستفاد منه من غير حاجة إلى القياس ويعتبرون منه سراية العتق بالأمة إلحاقا لها بالعبد الذي دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «من أعتق شركا له في عبد (١)». . الحديث، وكذلك البول في إناء ثم صبه في الماء الدائم المنهي عن البول فيه بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم (٢)». . الحديث، وكذلك قياس أنواع الأذى من الضرب ونحوه على التأفيف ويسمونه (فحوى الخطاب) و (التنبيه).

وأما الثاني - وهو ما كان فيه الأمران المذكوران ظنيين فهو كقياس الرز على البر والزبيب على التمر- مثلا في تحريم التفاضل بجامع الطعم في كل منهما أو غير الطعم مما ذكروه فإنه كما يحتمل أن يكون الطعم - هو العلة، يحتمل أن يكون غيره من الكيل والقوت والادخار، ولذلك كانا ظنيين في الأصل والفرع، وهذا النوع من القياس يتمثل بمعظم أقيسة الفقهاء.


(١) صحيح البخاري العتق (٢٥٢٢)، صحيح مسلم العتق (١٥٠١)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٤٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦٩٨)، سنن أبو داود العتق (٣٩٤٦)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٥٢٨)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٥٧)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥٠٤).
(٢) صحيح البخاري الوضوء (٢٣٩)، صحيح مسلم الطهارة (٢٨٢)، سنن الترمذي الطهارة (٦٨)، سنن النسائي الطهارة (٥٧)، سنن أبو داود الطهارة (٧٠)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٣٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٤٦)، سنن الدارمي الطهارة (٧٣٠).