أما " قريظة " الذين سلّوا السيوف، ووقفوا في صفوف العدو، وأوقعوا الهلع في قلوبٍ يحيط بها الروع من كل ناحية، كان حسابهم أشد، لأن جريمتهم كانت أنكى وأشد؛ حيث كانت تتعلق بإهلاك كل أفراد الدولة الإسلامية، ناهيك أن لهم عبرة سابقة بمن خان قبلهم من اليهود، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد العهد والمعاهدة معهم قبيل إجلاء بني النضير.
لقد كان في إمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبيد جميع طوائف اليهود نظرا لما قاموا به من خلع المعاهدات، ولكن لم يفعل، وذلك لما فيه نُبل الطباع، إلا أن جريمة بني قريظة كانت لا تغفر، وقد حكم فيها " سعد ابن معاذ " بناء على موافقتهم على حكمه.
هذه النماذج تؤكد أن عقوبة بني قريظة كانت أُحادية دون سائر التعاملات مع قبائل اليهود، لم تكن تمثل اتجاها عاما في تشريعات الإسلام، بل كانت استثناء من أحكام الحروب الإسلامية، والتي لا نسمع فيها القتل إلا نادرا.
(١) مصنف عبد الرزاق، (٩٧٣٣)، ورواية أخرى في: السيرة النبوية، ابن هشام، ٤/ ١٤٣، وراجع في الجمع بين الروايات: المجتمع المدني في عهد النبوة: خصائصه وتنظيماته، أكرم ضياء العمري، ص ١٤٥.