قال:((أحي أبواك))، قال نعم، قال:((ارجع ففيهما فجاهد))» (١) فجعل برهما والإحسان إليهما جهادًا في سبيل الله؛ لأن هذا أمرٌ ما تقوى عليه إلا النفوس الطيبة، إلا النفوس ذات المروءة والأخلاق والمكارم، الذين يعرفون للمروءات حقها، ويقابلون الجميل بالجميل والفضل بالفضل، إن المخلوق لو أحسن إليك يومًا لكان في قلبك محبة له، ومودة له، وقرب منه؛ لأجل إحسانه لك بأمر ما، من الأمور، إما ماديًا أو معنوياً، والأبوان قد قدما لك خدمة عظيمة، وخيرًا كثيرًا، فالأمّ تحملت المشاق بالوحم والحمل والوضع والإرضاع والحضانة والخدمة إلى أن كبر سنك واستقر حالك، والأب كم شقي بطلب الولد، وكم أنفق، وكم بذل، وكم وكم، وكم وفّر للأولاد من الخير، أفحقهما بعد ذلك أن يهجرا، أفحقهما أن ينسيا، أفحقهما أن يهانا ويذلا، أفحقهما أن يرميا في دار العجزة، وكأنه لا يعرفهما، ولا ينتبه إليهما، إن العقوق دليل على ضعف المروءة، وقلة الوفاء، وسوء الأخلاق، وقلة الحياء، وإن البر علامة للوفاء، وحسن الخلق، وقوة الإرادة، وعظيم المروءة، فلا يقابل بر الوالدين والإحسان إليهما إلا ذوو التق، ولهذا جعل الله عقوقهما طريق العصيان والشقاء، قال سبحانه في
(١) أخرجه البخاري في صحيحه ح ٣٠٠٤، ومسلم في صحيحه ح ٢٥٤٩.