ويحسن أن أورد هنا ما قاله ابن الأثير عن خروج التتار، فلقد تحدث حديثا مؤثرا عن خروجهم في سنة سبع عشرة وستمائة - ولم تكن بغداد قد سقطت - فقال ما سأورده فيما يأتي، فكيف يكون كلامه لو وقف على الفظائع التي قام بها هؤلاء الوحوش في بغداد سنة ٦٥٦ هـ.
قال ابن الأثير: ثم دخلت سنة سبع عشرة وستمائة: لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها، كارها لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا، إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء علي تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا، فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم، وإلى الآن، لم يبتلوا بمثلها؛ لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.
ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله (بخت نصر) ببني إسرائيل من القتل، وتخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد، التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا؟ فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا، إلا يأجوج ومأجوج.
وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه، ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (١).
قال ابن كثير:
[وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة - يعني سقوط بغداد - فقيل: ٨٠٠ ألف، وقيل: ألف ألف و٨٠٠ ألف، وقيل: بلغت القتلى