للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا خَيَّرَهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي طَاعَتِهِ وَلاَ آمَنَ بِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مُوَادَعَةٌ وَمُسَالَمَةٌ وَفِي الْآخَرِ مُحَارَبَةٌ أَوْ مُشَاقَّةٌ إِلاَّ اخْتَارَ مَا فِيهِ الْمُوَادَعَةُ، وَيُحتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُخَيِّرَهُ بَيْنَ الْحَرْبِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِالْأَيْسَرِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ أُمَّتَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُخَيِّرُوهُ بَيْنَ الْتِزَامِ الشِّدَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَبَيْنَ الْأَخْذِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ اخْتَارَ لَهُمْ أَيْسَرَهُمَا رِفْقًا بِهِمْ وَنَظَرًا لَهُمْ وَخَوْفًا أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ أَشَقُّهُمَا فَيَعْجَزُوا عَنْهَا " (١)

ولا مانع من اعتبار جميع هذه الاحتمالات، وفي الحديث: " اسْتِحْبَاب الْأَخْذ بِالْأَيْسَرِ وَالْأَرْفَق مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا " (٢) وقد قال صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (٣)

قال ابن تيمية: " قوله إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في مدح الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك والنصارى أكثر غلوا في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو في


(١) المنتقى - شرح الموطأ - ٤/ ٢٨٦ ') ">
(٢) شرح النووي على مسلم - ١٥/ ٨٣ ') ">
(٣) أخرجه الإمام ابن ماجه – كتاب المناسك – باب قدر حصى الرمي – ٢/ ١٠٠٨ برقم ٣٠٢٩