وفي يوم الاثنين رابع رمضان رجع الناس من الكسوة إلى دمشق، فبشروا الناس بالنصر، وفيه دخل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية البلد ومعه أصحابه من المجاهدين، ففرح الناس به، ودعوا له، وهنئوه بما يسر الله على يديه من الخير.
وفي يوم الثلاثاء خامس رمضان دخل السلطان إلى دمشق وبين يديه الخليفة، وزينت البلد، وبقيا في دمشق إلى ثالث شوال إذ عادا إلى الديار المصرية (١).
وكان فرح السلطان الناصر محمد بن قلاوون والمسلمين بهذه المعركة فرحا كبيرا، ودخل مصر دخول الظافر المنتصر، يتقدم موكبه الأسرى المغول، يحملون في أعناقهم رءوس زملائهم القتلى، واستقبل استقبال الفاتحين.
ولما كان ابن تيمية - رحمه الله- بطلا من أبطال هذه المعركة، أحببت أن يطلع القارئ الكريم على وصف رجال كانوا معه في المعركة، يحدثوننا عما شاهدوا مشاهدة عيان من مواقف الشيخ في هذه المعركة، وبطولاته الرائعة.
قال ابن عبد الهادي:
(وقد أخبرني حاجب أمير، ذو دين متين، وصدق لهجة، معروف في الدولة قال: قال لي الشيخ يوم اللقاء ونحن بمرج الصفر وقد تراءى الجمعان: يا فلان! أوقفني موقف الموت.
قال: فسقته إلى مقابلة العدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم. ثم قلت له: يا سيدي هذا موقف الموت، وهذا العدو قد أقبل تحت هذه الغبرة المنعقدة، فدونك ما تريد. قال: فرفع طرفه إلى السماء، وأشخص بصره، وحرك شفتيه طويلا، ثم انبعث وأقدم على القتال.
وأما أنا فخيل لي أنه دعا عليهم، وأن دعاءه استجيب منه في تلك الساعة. . . ثم حال القتال بيننا والالتحام، وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر، وانحاز التتار