للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى جبل صغير عصموا نفوسهم به من سيوف المسلمين في تلك الساعة. . . وكان آخر النهار، وإذا أنا بالشيخ وأخيه يصيحان بأعلى صوتيهما تحريضا على القتال، وتخويفا للناس من الفرار) (١).

وقال ابن عبد الهادي:

(وفي أول شهر رمضان من سنة اثنتين وسبعمائة كانت وقعة شقحب المشهورة، وحصل للناس شدة عظيمة، وظهر فيها من كرامات الشيخ وإجابة دعائه، وعظيم جهاده وقوة إيمانه، وشدة نصحه للإسلام وفرط شجاعته، ونهاية كرمه، وغير ذلك من صفاته، ما يفوق النعت، ويتجاوز الوصف.

ولقد قرأت بخط بعض أصحابه - وقد ذكر هذه الواقعة - قال:

- واتفقت كلمة إجماعهم على تعظيم الشيخ تقي الدين ومحبته، وسماع كلامه ونصيحته، واتعظوا بمواعظه. . . ولم يبق من ملوك الشام تركي ولا عربي إلا واجتمع بالشيخ في تلك المدة، واعتقد خيره وصلاحه ونصحه لله ولرسوله وللمؤمنين.

قال:

- ثم ساق الله سبحانه جيش الإسلام العرمرم المصري، صحبه أمير المؤمنين والسلطان الملك الناصر، وولاة الأمر وزعماء الجيش وعظماء المملكة. . . سوقا حثيثا للقاء التتار المخذولين، فاجتمع الشيخ بالخليفة والسلطان وأرباب الحل والعقد وأعيان الأمراء عن آخرهم، وكلهم بمرج الصفر قبلي دمشق. . . وبقي الشيخ هو وأخوه وأصحابه ومن معه من الغزاة قائما. . . يوصي الناس بالثبات، ويعدهم بالنصر، ويبشرهم بالغنيمة والفوز بإحدى الحسنيين إلى أن صدق الله وعده، وأعز جنده، وهزم التتار وحده، ونصر المؤمنين، وهزم الجمع وولوا الدبر، وكانت كلمة الله هي العليا، وكلمة الكفار هي السفلى، وقطع دابر القوم الكفار، والحمد لله رب العالمين.

ودخل جيش الإسلام المنصور إلى دمشق المحروسة، والشيخ في أصحابه شاكيا سلاحه، داخلا معهم، عالية كلمته، قائمة حجته، ظاهرة ولايته، مقبولة شفاعته،


(١) ((العقود الدرية)) لابن عبد الهادي صفحة ١٧٧ - ١٧٨.