للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق؛ حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه»، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة، وفرارا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام وكان من أول من خرج من المسلمين من بني زهرة عبد الرحمن بن عوف (١)، وكان أحد العشرة الأوائل الذين هاجروا إلى أرض الحبشة من المسلمين.

وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة إسلام أهل مكة فأقبلوا لما بلغهم من ذلك، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا، فكان عبد الرحمن أحد العائدين من أرض الحبشة إلى مكة (٢).

وقد هاجر عبد الرحمن إلى أرض الحبشة من مكة الهجرتين جميعا (٣)، وقال المسور بن مخرمة: (بينما أنا أسير في ركب بين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الرحمن قدامى عليه خميصة سوداء، فناداني عثمان: يا مسور! فقلت: لبيك يا أمير المؤمنين! فقال: من زعم أنه خير من خالك في الهجرة الأولى وفي الهجرة الثانية، فقد


(١) سيرة ابن هشام (١/ ٣٤٣ - ٣٤٤)، وانظر الدرر (٥١)، وجوامع السيرة (٥٦).
(٢) سيرة ابن هشام (١/ ٣٨٨ - ٣٨٩)، وانظر الدرر (٦١)، وجوامع السيرة (٦٥).
(٣) طبقات ابن سعد (٣/ ١٢٥)، وتهذيب الأسماء واللغات (١/ ١).