للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستدعى عليا، فناجاه طويلا، ثم أرسل إلى عثمان، فتناجيا أيضا.

ولما صلوا الصبح، جمع الرهط وبعث إلى من حضره من المهاجرين والأنصار وإلى أمراء الأجناد، فاجتمعوا حتى التحم المسجد بأهله، فقال: (أيها الناس! إن الناس قد أجمعوا أن يرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم، فأشيروا علي).

فرشح جماعة عليا ورشح آخرون عثمان، وتعصبت كل جماعة لمرشحها، فقال سعد بن أبي وقاص: (يا عبد الرحمن! افرغ قبل أن يفتتن الناس)، فقال عبد الرحمن: (إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا).

ودعا عليا وقال: (عليك عهد الله وميثاقه، لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده)، قال: (أرجو أن أفعل، فأعمل بمبلغ علمي وطاقتي).

ودعا عثمان، فقال له مثل ما قال لعلي، فقال: (نعم، نعمل)، فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده على يد عثمان، فقال: (اللهم اسمع واشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان).

وبايع عثمان، وبايعه الناس (١).

لقد تمكن عبد الرحمن بكياسته وأمانته واستقامته ونسيانه نفسه بالتخلي عن الطمع في الخلافة والزهد بأعلى منصب في الدولة، أن يجتاز هذه المحنة، ولا يزال الناس مختلفين حتى اليوم في: هل أصاب عبد الرحمن أم أخطأ، ولكن لا يختلف أحد بأنه قاد ركب الشورى بمهارة وتجرد، مما يستحق أعظم التقدير.


(١) انظر التفاصيل في ابن الأثير (٣/ ٦٩ - ٧٥).