وكان أخذ اللغة عن أبيه، وبحلب عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي.
وكانت غلته في العام نحو ثلاثين دينارا، أفرز منها نصفها لمن يخدمه.
وكان غذاؤه العدس ونحوه، وحلواه التين، وثيابه القطن، وفراشه لباد وحصير بردي وفيه قوة نفس وترك للمنن، عورض في وقفه، فسافر إلى بغداد يتظلم في سنة تسع وتسعين، وحدث بها بسقط الزند.
يقال: كان يحفظ كل ما مر بسمعه، ويلازم بيته، وسمى نفسه رهن المحبسين ; للزومه منزله وللعمى، وقال الشعر في حداثته، وكان يملي تصانيفه على الطلبة من صدره.
خرج صالح بن مرداس ملك حلب فنازل المعرة يحاصرها، ورماها بالمجانيق، فخرج إليه أبو العلاء يتشفع، فأكرمه، وقال: ألك حاجة؟ قال: الأمير -أطال الله بقاءه- كالسيف القاطع، لان مسه، وخشن حده، وكالنهار الماتع قاظ وسطه، وطاب أبرداه خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فقال: قد وهبتك المعرة، فأنشدنا من شعرك. فأنشده على البديه أبياتا، وترحل صالح.
كان لأبي العلاء خلوة يدخلها للأكل، ويقول: الأعمى عورة، والواجب استتاره. فأكل مرة دبسا، فنقط على صدره منه، فلما خرج للإفادة ; قيل له: أكلتم دبسا؟ فأسرع بيده إلى صدره، فمسحه وقال: نعم، لعن الله النهم. فعجبوا من ذكائه، وكان يعتذر إلى من يرحل إليه، ويتأوه لعدم صلته.
قال الباخرزي أبو العلاء ضرير ما له ضريب ومكفوف في قميص الفضل ملفوف، ومحجوب خصمه الألد محجوج، قد طال في ظل الإسلام آناؤه، ورشح بالإلحاد إناؤه، وعندنا خبر بصره، والله العالم ببصيرته، والمطلع على سريرته، وإنما تحدثت الألسن بإساءته بكتابه الذي عارض به القرآن، وعنونه ب " الفصول والغايات في محاذاة السور والآيات ".