ثم قال غرس النعمة: وأذكر عند ورود الخبر بموته وقد تذاكرنا إلحاده، ومعنا غلام يعرف بأبي غالب بن نبهان من أهل الخير والفقه، فلما كان من الغد، حكى لنا قال: رأيت البارحة شيخا ضريرا على عاتقه أفعيان متدليان إلى فخذيه، وكل منهما يرفع فمه إلى وجهه، فيقطع منه لحما، ويزدرده، وهو يستغيث، فهالني، وقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا أبو العلاء المعري الملحد.
ولأبي العلاء.
لا تجلسن حرة موفقة
مع ابن زوج لها ولا ختن
فذاك خير لها وأسلم لل
إنسان إن الفتى من الفتن
أنشدنا أبو الحسين الحافظ ببعلبك، أنشدنا جعفر بن علي، أنشدنا السلفي، أنشدنا أبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأسدي، أنشدنا أبو العلاء بن سليمان لنفسه
رغبت إلى الدنيا زمانا فلم تجد
بغير عناء والحياة بلاغ
وألقى ابنه اليأس الكريم وبنته
لدي فعندي راحة وفراغ
وزاد فساد الناس في كل بلدة
أحاديث مين تفترى وتصاغ
ومن شر ما أسرجت في الصبح والدجى
كميت لها بالشاربين مراغ
وبه أوحى المليك إلى من في بسيطته
من البرية جوسوا الأرض أو حوسوا
فأنتم قوم سوء لا صلاح لكم
مسعودكم عند أهل الرأي منحوس
أنشدنا موسى بن محمد ببعلبك، أنشدنا الشرف الإربلي، أنشدنا أحمد بن مدرك القاضي، أنشدني أبو جعفر محمد بن مؤيد بن أحمد بن حواري، أنشدنا جدي أبو اليقظان أحمد، أنشدنا أبو العلاء بن سليمان لنفسه:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر
لعل بالجزع أعوانا على السهر
وإن بخلت على الأحياء كلهم
فاسق المواطر حيا من بني مطر
ويا أسيرة حجليها أرى سفها
حمل الحلي لمن أعيى عن النظر
ما سرت إلا وطيف منك يطرحني
يسري أمامي وتأويبا على أثري
لو حط رحلي فوق النجم رافعه
ألفيت ثم خيالا منك منتظري
يود أن ظلام الليل دام له