وقد ناله محنة في أواخر عمره، ووشوا به إلى الخليفة الناصر عنه بأمر اختلف في حقيقته، فجاء من شتمه، وأهانه، وأخذه قبضا باليد، وختم على داره، وشتت عياله، ثم أقعد في سفينة إلى مدينة واسط، فحبس بها في بيت حرج، وبقي هو يغسل ثوبه، ويطبخ الشيء، فبقي على ذلك خمس سنين ما دخل فيها حماما. قام عليه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب ابن الشيخ عبد القادر، وكان ابن الجوزي لا ينصف الشيخ عبد القادر، ويغض من قدره، فأبغضه أولاده، ووزر صاحبهم ابن القصاب، وقد كان الركن رديء المعتقد، متفلسفا، فأحرقت كتبه بإشارة ابن الجوزي، وأخذت مدرستهم، فأعطيت لابن الجوزي، فانسم الركن.
وقد كان ابن القصاب الوزير يترفض، فأتاه الركن، وقال: أين أنت عن ابن الجوزي الناصبي؟، وهو أيضا من أولاد أبي بكر، فصرف الركن في الشيخ، فجاء، وأهانه، وأخذه معه في مركب، وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفة، وقد كان ناظر واسط شيعيا أيضا، فقال له الركن: مكني من هذا الفاعل لأرميه في مطمورة، فزجره، وقال: يا زنديق، أفعل هذا بمجرد قولك؟ هات خط أمير المؤمنين، والله لو كان على مذهبي، لبذلت روحي في خدمته، فرد الركن إلى بغداد.
وكان السبب في خلاص الشيخ أن ولده يوسف نشأ واشتغل، وعمل في هذه المدة الوعظ وهو صبي، وتوصل حتى شفعت أم الخليفة، وأطلقت الشيخ، وأتى إليه ابنه يوسف، فخرج، وما رد من واسط حتى قرأ هو وابنه بتلقينه بالعشر على ابن الباقلاني، وسن الشيخ نحو الثمانين، فانظر إلى هذه الهمة العالية.
نقل هذا الحافظ ابن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن حسن.