للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الموفق عبد اللطيف في تأليف له: كان ابن الجوزي لطيف الصورة، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئا، يكتب في اليوم أربع كراريس، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كاف، وأما السجع الوعظي، فله فيه ملكة قوية، وله في الطب كتاب " اللقط " مجلدان.

قال: وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة، وذهنه حدة. جل غذائه الفراريج والمزاوير، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس: الأبيض الناعم المطيب، وله ذهن وقاد، وجواب حاضر، ومجون ومداعبة حلوة، ولا ينفك من جارية حسناء، قرأت بخط محمد بن عبد الجليل الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر، فسقطت لحيته، فكانت قصيرة جدا، وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات.

قال: وكان كثير الغلط فيما يصنفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره.

قلت: هكذا هو له أوهام وألوان من ترك المراجعة، وأخذ العلم من صحف، وصنف شيئا لو عاش عمرا ثانيا، لما لحق أن يحرره ويتقنه.

قال سبطه: جلس جدي تحت تربة أم الخليفة عند معروف الكرخي، وكنت حاضرا، فأنشد أبياتا، قطع عليها المجلس وهي:

الله أسأل أن يطول مدتي

لأنال بالإنعام ما في نيتي

لي همة في العلم ما إن مثلها

وهي التي جنت النحول هي التي

خلقت من العلق العظيم إلى المنى

دعيت إلى نيل الكمال فلبت

كم كان لي من مجلس لو شبهت

حالاته لتشبهت بالجنة

أشتاقه لما مضت أيامه

عطلا وتعذر ناقة إن حنت

يا هل لليلات بجمع عودة

أم هل على وادي منى من نظرة

قد كان أحلى من تصاريف الصبا

ومن الحمام مغنيا في الأيكة

فيه البديهات التي ما نالها