قلت: يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب اسمه ليس إلا، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا، وما من كتب اسمه من الأمراء والولاة إدمانا للعلامة يعد كاتبا، فالحكم للغالب لا لما ندر، وقد قال عليه السلام: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب أي لأن أكثرهم كذلك، وقد كان فيهم الكتبة قليلا. وقال - تعالى -: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم فقوله - عليه السلام -: لا نحسب حق، ومع هذا فكان يعرف السنين والحساب، وقسم الفيء، وقسمة المواريث بالحساب العربي الفطري لا بحساب القبط ولا الجبر والمقابلة، بأبي هو ونفسي - صلى الله عليه وسلم - وقد كان سيد الأذكياء، ويبعد في العادة أن الذكي يملي الوحي وكتب الملوك وغير ذلك على كتابه، ويرى اسمه الشريف في خاتمه، ولا يعرف هيئة ذلك مع الطول، ولا يخرج بذلك عن أميته، وبعض العلماء عد ما كتبه يوم الحديبية من معجزاته، لكونه لا يعرف الكتابة وكتب، فإن قيل: لا يجوز عليه أن يكتب، فلو كتب ; لارتاب مبطل، ولقال: كان يحسن الخط، ونظر في كتب الأولين. قلنا: ما كتب خطا كثيرا حتى يرتاب به المبطلون، بل قد يقال: لو قال مع طول مدة كتابة الكتاب بين يديه: لا أعرف أن أكتب اسمي الذي في خاتمي، لارتاب المبطلون أيضا، ولقالوا: هو غاية في الذكاء، فكيف لا يعرف ذلك؟ بل عرفه، وقال: لا أعرف. فكان يكون ارتيابهم أكثر وأبلغ في إنكاره - والله أعلم.
وأما الحافظ أبو القاسم بن عساكر، فذكر أن أبا الوليد قال: كان أبي من باجة القيروان، تاجرا يختلف إلى الأندلس.
قلت: فعلى هذا هو وأبو عمر بن الباجي وأله كلهم من باجة القيروان - فالله أعلم.