للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال القاضي أبو علي الصدفي: ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه. ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم أحمد، فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشامي، فقلت له: أدام الله عزك، هذا ابن شيخ الأندلس. فقال: لعله ابن الباجي؟ قلت: نعم. فأقبل عليه.

قال القاضي عياض: كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء، وولي قضاء أماكن تصغر عن قدره كأوريولة، فكان يبعث إليها خلفاءه، وربما أتاها المرة ونحوها، وكان في أول أمره مقلا حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره، وإيجار نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته، مستفيضا لحراسة درب، وقد جمع ولده شعره، وكان ابتدأ بكتاب " الاستيفاء " في الفقه، لم يضع منه سوى كتاب الطهارة في مجلدات. قال لي: ولما قدم من الرحلة إلى الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوة، إلا أنه كان خارجا عن المذهب، ولم يكن بالأندلس من يشتغل بعلمه، فقصرت ألسنة الفقهاء عن مجادلته وكلامه، واتبعه على رأيه جماعة من أهل الجهل، وحل بجزيرة ميورقة، فرأس فيها، واتبعه أهلها، فلما قدم أبو الوليد ; كلموه في ذلك، فدخل إلى ابن حزم، وناظره، وشهر باطله. وله معه مجالس كثيرة. قال: ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في " صحيح " البخاري. قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ، وكفره بإجازته الكتب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النبي الأمي، وأنه تكذيب للقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا عليه الفتنة، وقبحوا عند العامة ما أتى به، وتكلم به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم:

برئت ممن شرى دنيا بآخرة

وقال: إن رسول الله قد كتبا

فصنف القاضي أبو الوليد رسالة بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، فرجع بها جماعة.