للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبي حاتم في أول كتاب " الجرح والتعديل " له: سمعت أبي يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي، من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه علي، فقلت في بعضه: هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وهذا باطل، وهذا منكر، وسائر ذلك صحاح، فقال: من أين علمت أن ذاك خطأ، وذاك باطل، وذاك كذب؟ أأخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت، أو بأني كذبت في حديث كذا؟ قلت: لا، ما أدري هذا الجزء من راويه، غير أني أعلم أن هذا الحديث خطأ، وأن هذا باطل فقال: تدعي الغيب؟ قلت: ما هذا ادعاء غيب. قال: فما الدليل على ما قلت؟ قلت: سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم. قال: ويقول أبو زرعة كقولك؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب. قال: فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلي، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فقال: ما قلت إنه كذب، قال أبو زرعة: هو باطل. قلت: الكذب والباطل واحد، قال: وما قلت: إنه منكر، قال: هو منكر، كما قلت، وما قلت: إنه صحيح، قال: هو صحيح. ثم قال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما. قلت: فعند ذلك علمت أنا لم نجازف وأنا قلنا بعلم ومعرفة قد أوتيناه، والدليل على صحة ما نقوله أن دينارا بهرجا يحمل إلى الناقد، فيقول: هذا بهرج. فإن قيل له: من أين قلت: إن هذا بهرج؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قال: لا. وإن قيل: أخبرك الذي بهرجه؟ قال: لا. قيل: فمن أين قلت؟ قال: علما رزقته. وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، وكذلك إذا حمل إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج، يعرف ذا من ذا، ويقول كذلك.