وكذلك نحن رزقنا علما، لا يتهيأ له أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا كذب، أو هذا منكر، فنعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة، ونعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته. قال: وسمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب علي حديثا غريبا مسندا لم أسمع به صحيحا، فله علي درهم يتصدق به، وكان ثم خلق: أبو زرعة، فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى علي ما لم أسمع به، فيقولون: هو عند فلان، فأذهب وأسمعه فلم يتهيأ لأحد أن يغرب علي حديثا. وسمعت أبي يقول: كان محمد بن يزيد الأسفاطي قد ولع بالتفسير وتحفظه، فقال يوما: ما تحفظون في قوله تعالى: فنقبوا في البلاد (ق: ٣٦). فبقي أصحاب الحديث ينظر بعضهم إلى بعض، فقلت: حدثنا أبو صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: ضربوا في البلاد. فاستحسن. سمعت أبي يقول: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الري، فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا، من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة أحاديث، وسائر ذلك لم تكن عنده، ولم يعرفها. سمعت أبي يقول: أول سنة خرجت في طلب الحديث، أقمت سبع سنين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ.
قلت: مسافة ذلك نحو أربعة أشهر، سير الجادة. قال: ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا، ثم إلى الرملة ماشيا، ثم إلى دمشق، ثم أنطاكية وطرسوس، ثم رجعت إلى حمص، ثم إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة. خرجت من الري، فدخلت الكوفة في رمضان سنة ثلاث عشرة، وجاءنا نعي المقرئ وأنا بالكوفة، ثم رحلت ثانيا سنة اثنتين وأربعين، ثم رجعت إلى الري سنة خمس وأربعين، وحججت رابع حجة في سنة خمس وخمسين. وحج فيها عبد الرحمن ابنه.