فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني، فانطلق أنيس حتى أتى مكة، [فراث علي] ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أنه مرسل. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر. قال: وكان أنيس أحد الشعراء، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون! قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر!.
فأتيت مكة، فتضعفت رجلا منهم، فقلت: من هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: الصابئ. قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم، حتى خررت مغشيا علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها.
ولقد لبثت - يا ابن أخي - ثلاثين، بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان جاءت امرأتان تطوفان، وتدعوان إسافا ونائلة فأتتا علي في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الآخر، فما تناهتا عن قولهما فأتتا علي، فقلت: هن مثل الخشبة، غير أني لا أكني، فانطلقتا تولولان، تقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله، وأبو بكر، وهما هابطتان، فقال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم.
قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجر، ثم طاف بالبيت، هو وصاحبه، ثم صلى. وكنت أول من حياه بتحية الإسلام. قال: عليك ورحمة الله، من أين أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، ووضع أصابعه على جبهته.
فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فدفعني صاحبه، وكان أعلم به مني.