قلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا؟ فضرب صدري، وصاح كثيرا، ونال مني، وقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: تأخذ به: نعم آخذ به، وذلك الفرض علي، وعلى كل من سمعه. إن الله اختار محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الناس فهداهم به، وعلى يديه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك.
قال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث " البيعان بالخيار " فقال: يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه. ثم قال أحمد: هو أورع وأقول بالحق من مالك.
قلت: لو كان ورعا كما ينبغي، لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم. فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث ; لأنه رآه منسوخا. وقيل: عمل به وحمل قوله: " حتى يتفرقا " على التلفظ بالإيجاب والقبول، فمالك في هذا الحديث، وفي كل حديث، له أجر ولا بد، فإن أصاب، ازداد أجرا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية. وبكل حال فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولا ضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما عالما المدينة في زمانهما - رضي الله عنهما - ولم يسندها الإمام أحمد، فلعلها لم تصح.
كتب إلي مؤمل البالسي وغيره أن أبا اليمن الكندي أخبرهم: أنبأنا القزاز أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو سعيد الصيرفي، حدثنا الأصم، حدثنا عباس الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن أبي ذئب سمع عكرمة.