وقد حط أبو بكر بن العربي على أبي محمد في كتاب " القواصم والعواصم " وعلى الظاهرية، فقال: هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها، وتكلمت بكلام لم نفهمه تلقوه من إخوانهم الخوارج حين حكم علي -رضي الله عنه- يوم صفين، فقالت: لا حكم إلا لله. وكان أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن، فلما عدت وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم، نشأ وتعلق بمذهب الشافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع، ويحكم ويشرع، ينسب إلى دين الله ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا تنفيرا للقلوب منهم، وخرج عن طريق المشبهة في ذات الله وصفاته، فجاء فيه بطوام، واتفق كونه بين قوم لا بصر لهم إلا بالمسائل، فإذا طالبهم بالدليل كاعوا فيتضاحك مع أصحابه منهم، وعضدته الرئاسة بما كان عنده من أدب، وبشبه كان يوردها على الملوك، فكانوا يحملونه، ويحمونه، بما كان يلقي إليهم من شبه البدع والشرك. وفي حين عودي من الرحلة ألفيت حضرتي منهم طافحة، ونار ضلالهم لافحة، فقاسيتهم مع غير أقران، وفي عدم أنصار إلى حساد يطئون عقبي، تارة تذهب لهم نفسي، وأخرى ينكشر لهم ضرسي، وأنا ما بين إعراض عنهم أو تشغيب بهم، وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سماه " نكت الإسلام " فيه دواهي، فجردت عليه نواهي، وجاءنى آخر برسالة في الاعتقاد فنقضتها برسالة " الغرة " والأمر أفحش من أن ينقض. يقولون: لا قول إلا ما قال الله، ولا نتبع إلا رسول الله، فإن الله لم يأمر بالاقتداء بأحد، ولا بالاهتداء بهدي بشر. فيجب أن يتحققوا أنهم ليس لهم دليل، وإنما هي سخافة في تهويل، فأوصيكم بوصيتين: أن لا تستدلوا عليهم، وأن تطالبوهم بالدليل، فإن المبتدع إذا استدللت عليه شغب عليك، وإذا طالبته بالدليل لم يجد إليه سبيلا.