فأما قولهم: لا قول إلا ما قال الله، فحق، ولكن أرني ما قال. وأما قولهم: لا حكم إلا لله. فغير مسلم على الإطلاق، بل من حكم الله أن يجعل الحكم لغيره فيما قاله وأخبر به. صح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وإذا حاصرت أهل حصن فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك وصح أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء. . . " الحديث.
قلت: لم ينصف القاضي أبو بكر -رحمه الله - شيخ أبيه في العلم، ولا تكلم فيه بالقسط، وبالغ في الاستخفاف به، وأبو بكر فعلى عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد، ولا يكاد، فرحمهما الله وغفر لهما.
قال اليسع ابن حزم الغافقي وذكر أبا محمد فقال: أما محفوظه فبحر عجاج، وماء ثجاج، يخرج من بحره مرجان الحكم، وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم، لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كل أهل دين، وألف " الملل والنحل " وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير. أنشد المعتمد، فأجاد، وقصد بلنسية وبها المظفر أحد الأطواد. وحدثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب، إذا بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب، ثم سأل الحاضرين مسألة من الفقه، جووب فيها، فاعترض في ذلك، فقال له بعض الحضار: هذا العلم ليس من منتحلاتك، فقام وقعد، ودخل منزله فعكف ووكف منه وابل فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسن مناظرة، وقال فيها: أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب.