قال الحاكم: حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة من مشايخنا -إلا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة-، قال: لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ، كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا، مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي، وهو أول من حمل علوم الشافعي ودقائق ابن سريج إلى خراسان، ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق -يعني الصبغي - خليفة ابن خزيمة في الفتوى، وأحسن الجماعة تصنيفا، وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين، وأبي بكر بن أبي عثمان، وهو آدبهم، وأكثرهم جمعا للعلوم، وأكثرهم رحلة، وشيخ المطوعة والمجاهدين، وأبي محمد يحيى بن منصور، وكان من أكابر البيوتات، وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء.
قال: فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور، وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه، وهو معتزلي، وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم حسدهم، واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة فقالا: هذا إمام لا يسرع في الكلام، وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري، فإنهم على مذهب الكلابية فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة.
قال الحاكم: سمعت الإمام أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: كان من قضاء الله -تعالى- أن الحاكم أبا سعيد لما توفي أظهر ابن خزيمة الشماتة بوفاته، هو وجماعة من أصحابه -جهلا منهم- فسألوه أن يتخذ ضيافة، وكان لابن خزيمة بساتين نزهة. قال: فأكرهت أنا من بين الجماعة على الخروج في الجملة إليها.