للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي التميمي: أن الضيافة كانت في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثمائة، وكانت لم يعهد مثلها، عملها ابن خزيمة، فأحضر جملة من الأغنام والحملان، وأعدال السكر، والفرش، والآلات، والطباخين، ثم إنه تقدم إلى جماعة المحدثين من الشيوخ والشباب، فاجتمعوا بجنزروذ وركبوا منها، وتقدمهم أبو بكر يخترق الأسواق سوقا سوقا، يسألهم أن يجيبوه، ويقول لهم: سألت من يرجع إلى الفتوة والمحبة لي أن يلزم جماعتنا اليوم. فكانوا يجيئون فوجا فوجا حتى لم يبق كبير أحد في البلد -يعني نيسابور - والطباخون يطبخون، وجماعة من الخبازين يخبزون، حتى حمل أيضا جميع ما وجدوا في البلد من الخبز والشواء على الجمال والبغال والحمير، والإمام -رحمه الله- قائم يجري أمور الضيافة على أحسن ما يكون، حتى شهد من حضر أنه لم يشهد مثلها.

فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال: لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا عند بعض أهل العلم، وجرى ذكر كلام الله: أقديم هو لم يزل، أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به؟ فوقع بيننا في ذلك خوض، قال جماعة منا: كلام البارئ قديم لم يزل.

وقال جماعة: كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلا بإخباره وبكلامه. فبكرت إلى أبي علي الثقفي، وأخبرته بما جرى، فقال: من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث. وانتشرت هذه المسألة في البلد، وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة، وأخبروه بذلك حتى قال منصور: ألم أقل للشيخ: إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية؟ وهذا مذهبهم. قال: فجمع ابن خزيمة أصحابه، وقال: ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم.