للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: هذه مجازفة وقلة ورع، فما علمت أحدا اتهمه بالكذب قبل هذه القولة، بل قال الخطيب: إنه ثقة. وقد أنبأني أحمد بن سلامة، عن حماد الحراني أنه سمع السلفي ينكر على الحاكم في قوله: لا تجوز الرواية عن ابن قتيبة. ويقول: ابن قتيبة من الثقات، وأهل السنة. ثم قال: لكن الحاكم قصده لأجل المذهب.

قلت: عهدي بالحاكم يميل إلى الكرامية، ثم ما رأيت لأبي محمد في كتاب " مشكل الحديث " ما يخالف طريقة المثبتة والحنابلة، ومن أن أخبار الصفات تمر ولا تتأول، فالله أعلم.

وكان ابنه أحمد حفظة، فحفظ مصنفات أبيه، وحدث بها بمصر لما ولي قضاءها من حفظه، واجتمع لسماعها الخلق سنة نيف وعشرين وثلاثمائة، وكان يقول: إن والده أبا محمد لقنه إياها. وما أحسن قول نعيم بن حماد، الذي سمعناه بأصح إسناد عن محمد بن إسماعيل الترمذي، أنه سمعه يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيها.

قلت: أراد أن الصفات تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف تعالى: ليس كمثله شيء في ذاته المقدسة، فكذلك صفاته لا مثل لها، إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات، وهذا هو مذهب السلف.

قال أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي: مات أبو محمد بن قتيبة فجاءة، صاح صيحة سمعت من بعد، ثم أغمي عليه، وكان أكل هريسة، فأصاب حرارة، فبقي إلى الظهر، ثم اضطرب ساعة، ثم هدأ، فما زال يتشهد إلى السحر، ومات -سامحه الله- وذلك في شهر رجب، سنة ست وسبعين ومائتين.