أخبرنا إسحاق بن أبي بكر: أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أبو المكارم التيمي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن يحيى بن مندة، حدثنا أبو بكر بن أبي النضر، حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو عقيل الثقفي، حدثنا مجالد، حدثنا عون بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه قال: ما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قرأ وكتب.
قلت: لم يرد أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب شيئا، إلا ما في " صحيح البخاري " من أنه يوم صلح الحديبية كتب اسمه " محمد بن عبد الله ". واحتج بذلك القاضي أبو الوليد الباجي وقام عليه طائفة من فقهاء الأندلس بالإنكار، وبدعوه حتى كفره بعضهم. والخطب يسير، فما خرج عن كونه أميا بكتابة اسمه الكريم، فجماعة من الملوك ما علموا من الكتابة سوى مجرد العلامة، وما عدهم الناس بذلك كاتبين، بل هم أميون، فلا عبرة بالنادر ; وإنما الحكم للغالب، والله -تعالى- فمن حكمته لم يلهم نبيه تعلم الكتابة، ولا قراءة الكتب حسما لمادة المبطلين، كما قال تعالى: وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون.
ومع هذا فقد افتروا وقالوا: أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه فانظر إلى قحة المعاند، فمن الذي كان بمكة وقت المبعث يدري أخبار الرسل والأمم الخالية؟ ما كان بمكة أحد بهذه الصفة أصلا. ثم ما المانع من تعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه، وقوة فهمه، ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف، ثم هذا خاتمه في يده، ونقشه: محمد رسول الله.
فلا يظن عاقل، أنه -عليه السلام- ما تعقل ذلك، فهذا كله يقتضي أنه عرف كتابة اسمه واسم أبيه، وقد أخبر الله بأنه -صلوات الله عليه- ما كان يدري ما الكتاب؟ ثم علمه الله -تعالى- ما لم يكن يعلم. ثم الكتابة صفة مدح.