قال تعالى: الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فلما بلغ الرسالة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، شاء الله لنبيه أن يتعلم الكتابة النادرة التي لا يخرج بمثلها عن أن يكون أميا، ثم هو القائل: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب فصدق إخباره بذلك ; إذ الحكم للغالب، فنفى عنه وعن أمته الكتابة والحساب لندور ذلك فيهم وقلته، وإلا فقد كان فيهم كتاب الوحي وغير ذلك، وكان فيهم من يحسب، وقال تعالى: ولتعلموا عدد السنين والحساب.
ومن علمهم الفرائض، وهي تحتاج إلى حساب وعول، وهو -عليه السلام- فنفى عن الأمة الحساب، فعلمنا أن المنفي كمال علم ذلك ودقائقه التي يقوم بها القبط والأوائل، فإن ذلك ما لم يحتج إليه دين الإسلام ولله الحمد، فإن القبط عمقوا في الحساب والجبر، وأشياء تضيع الزمان. وأرباب الهيئة تكلموا في سير النجوم والشمس والقمر، والكسوف والقران بأمور طويلة لم يأت الشرع بها، فلما ذكر -صلى الله عليه وسلم- الشهور ومعرفتها، بين أن معرفتها ليست بالطرق التي يفعلها المنجم وأصحاب التقويم، وأن ذلك لا نعبأ به في ديننا، ولا نحسب الشهر بذلك أبدا. ثم بين أن الشهر بالرؤية فقط، فيكون تسعا وعشرين، أو بتكملة ثلاثين فلا نحتاج مع الثلاثين إلى تكلف رؤية.
وأما الشعر: فنزهه الله -تعالى- عن الشعر، قال تعالى: وما علمناه الشعر وما ينبغي له فما قال الشعر مع كثرته وجودته في قريش، وجريان قرائحهم به، وقد يقع شيء نادر في كلامه -عليه السلام- موزونا، فما صار بذلك شاعرا قط، كقوله: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وقوله: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ومثل هذا قد يقع في كتب الفقه والطب وغير ذلك مما يقع اتفاقا، ولا يقصده المؤلف ولا يشعر به، أفيقول مسلم قط: إن قوله تعالى: وجفان كالجوابي وقدور راسيات هو بيت؟! معاذ الله! وإنما صادف وزنا في الجملة، والله أعلم.