للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانوا يتورطون فيه من المفاسد في العقيدة والسلوك وفيما أحل الله من الطيبات وحرم من الخبائث وفي تدرج التشريع تخفيفا على العباد كما عرف تحريم الخمر على فترات لا مرة واحدة من أول الأمر وأطال في هذا البيان.

وتعرض لجانب مصالح العباد في التشريع الإسلامي فأطنب في بيانه، ومما جاء فيه من عبارات الأصوليين ما جاء في كتاب الموافقات للشاطبي وهو قوله: " والمعتمد أننا استقربنا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه أحد فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (١) النساء ١٦٥، ويقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (٢).

ثم جاء في البحث أن التعاليل لتفاصيل الأحكام تبين جانب المصلحة بما يبعث المكلفين على الامتثال وهي أكثر من أن تحصى منها قوله سبحانه {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} (٣)، وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٤) وهكذا.

ثم عاد فبين ما تدور التكاليف الشرعية في فلكه مستندا إلى عبارة للشاطبي في موافقاته يقول فيها: " تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهي لا تعدو ثلاثة أقسام " أحدها " أن تكون ضرورية. والثاني: أن تكون حاجية. والثالث: أن تكون تحسينية " وشرح كل واحدة منها فبين أن الضرورية هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة.

ثم بين أن مجموع تلك الضروريات خمسة وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل وبعد أن بين الحاجيات والتحسينيات بما يبين أنها كلها مشروعة للمحافظة على الضروريات أورد أن من تتبع هذه الخمس واحدة واحدة ظهر له جليا أن هذه المخدرات جناية عليها ومقوضة لأركانها وهي أشد ما تكون جناية مباشرة على العقل وأسهب في بيان قيمة العقل ثم في أثر تلك المخدرات عليه وتعريضه للزوال التام في نهاية الأمر.

وتناول بعد ذلك تأثيرها على دين المرء في دينه بصده عن الذكر وعن الصلاة وإيقاع العداوة والبغضاء في الخمر والميسر والمخدرات عامة. ثم عرض البحث للمال وقيمته في نظر الإسلام بما يتجلى في قوله سبحانه في وصف الأموال {الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (٥)

وبين أن متعاطي المخدرات سفيه مبذر ينفق المال فيما يضره ويفسد حياته، ثم بين بعد ذلك أن مما يدعو إلى إضاعة الأنساب؛ لأنه يدعو إلى الشهوة دون حرص على حفظ الفرج فالطائش بالمخدر لا يتقي ما حرم الله ثم قال وأما حفظ النفس فإنه مفقود عند المدمن؛ لأنه يعرض بدنه للخلل والمفسدة ويلقي به إلى التهلكة.

ثم انتهى في هذه الناحية إلى أن المخدرات محادة لله ولرسوله وللأديان السماوية التي أمرت بحفظ الضروريات الخمس فأرخصتها هذه المخدرات وصيرتها بصدد الآفات وعند الله السلامة والعافية.


(١) سورة النساء الآية ١٦٥
(٢) سورة الأنبياء الآية ١٠٧
(٣) سورة المائدة الآية ٦
(٤) سورة البقرة الآية ١٨٣
(٥) سورة النساء الآية ٥