للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وينتقل البحث بعد ذلك إلى موضوع الأدلة الشرعية على منع المخدرات فبدأ بتمهيد تحدث فيه عن الخمر أولا باعتبار أنها أول ما تعورف بأنه يفسد العقل والبدن والدين وجعل هذا التمهيد ربطا قويا بين الخمر والمخدر يلتقيان به في الوصف الذي من أجله كان تحريم الخمر ولما كان المقصود الأساسي بالبحث هو المخدرات فقد اجتزأ بالإشارة العابرة إلى الخمر وإلى تغليظ الشارع في أمرها بما دل عليه النص القرآني الكريم من التحريم البات في آية المائدة وما اقترن به من بيان صفات الخمر من أنها رجس ومن عمل الشيطان وترتيب الفلاح على تركها واستغلال الشيطان ضعف الإنسان لإغوائه بها وإيقاعه العداوة بسببها وصده عن ذكر الله وعن الصلاة بعد توريط المسكين في تعاطيها. وأشار إلى أنه ورد من الأحاديث في التنفير منها بضعة وستون حديثا أوردها ابن حجر الهيثمي في (الزواجر) على عادته في الاستقصاء وقد أوردها أيضا الشيخ حمود بن عبد الله في كتابه الدلائل الواضحات وأورد البحث بعض هذه أحاديث منها ما رواه الشيخان وغيرهما.

عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- قال: «لا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن (١)» وما رواه أبو داود أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- «لعن الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه (٢)».

وما رواه ابن حبان أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- قال: «من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن (٣)» وما إلى ذلك مما هو جدير أن ينفر من هذا الرجس ثم يقول: والله سبحانه ما يريد ليعنت الناس ولكنهم يعنتون أنفسهم فيؤثرون متعا وهمية توقعهم في الخسران المبين.

وينتقل البحث إلى علاقة المخدرات بالخمر فيقول ما خلاصته: إن العلامة ابن حجر وهو يصور الدين وحكمه في هذه المخدرات يقول: إنها مسكرة كما صرح به النووي في بعضها وفسر الإسكار بتغطية العقل ثم قال إن ذلك لا ينافي أنها تسمى مخدرة، وانتقل البحث إلى أنها كلها تؤثر على العقل الذي أمر الشارع بحفظه وإن القليل منها يدعو إلى الكثير بالطبع والتجربة.

فمن قال من الفقهاء بجواز القليل منها فهو ضعيف يشبه القول بإباحة القليل من الأشربة المسكرة على خلاف قوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- «وما أسكر كثيره فقليله حرام (٤)» فإن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- قاله سدا لذريعة التمادي ومقاومة لمقدمة الشر وأصالة في التشريع ثم نقل البحث ما أورده صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود عن أبي بكر القسطلاني مما لا يختلف عما أورده ابن حجر الهيثمي. . ثم نقل ما أورده شارح السنن عن الزركشي من أن هذه المخدرات تؤثر في متعاطيها المعنى الذي يدخله في حد السكر وأيد ذلك بما يدل عليه من تعريفات الفقهاء للسكران وانتقال إلى بيان وجه اعتبارها مسكرة بما لا يخرج عما سبق للهيثمي والقسطلاني والزركشي وأضاف إلى ذلك نص اللغة.

وفي غضون هذه الدراسة تعرض البحث لبيان أن طائفة من الفقهاء لا يكتفون في هذه المخدرة باعتبارها مسكرة بل يسمونها خمرا منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ الذهبي، ثم ذكر البحث أن ذلك المعنى صريح في بعض التعبيرات النبوية مثل قوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- «كل مسكر خمر (٥)» فإذا كان القرآن الكريم قد صرح بحكمه في الخمر التي كانت تشرب حين ينزل القرآن وطلب المسلمون فيها البيان فإن السنة لم تترك البيان الواضح فيما يشبه الخمر في تغطية العقل وأدمجته في الخمر.

ثم أورد البحث أن هذه المخدرات بناء على ذلك لها من شدة الارتباط بالخمر ولهذا قل أن تقرأ كتابا من كتب الفقه إلا وهو يذكر حكمها مع حكم الخمر تارة في حد الشرب وتارة في كتاب الأشربة المحرمة وتارة في أحكام النجاسة وأحيانا في المباح والمحرم من الأشربة.


(١) صحيح البخاري المظالم والغصب (٢٤٧٥)، صحيح مسلم الإيمان (٥٧)، سنن النسائي قطع السارق (٤٨٧١)، سنن أبو داود السنة (٤٦٨٩)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٣٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣١٧)، سنن الدارمي الأشربة (٢١٠٦).
(٢) سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٤)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٨٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٧١).
(٣) سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٧٥).
(٤) سنن الترمذي الأشربة (١٨٦٥)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٨١)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٣)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٤٣).
(٥) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٠).