للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم انتقل إلى ذكر أقوال الفقهاء في المذاهب الأربعة فبدأ بالفقه الحنبلي لوضوحه وخصوبته في هذا الموضوع، فأورد عدة فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية نقلا عن مجموع الفتاوى من الجزء الرابع والثلاثين. وكان من بين هذه الفتاوى فتوى وردت بعنوان " باب حد المسكر " (١). جاء في هذه الفتوى أن اسم الخمر في لغة العرب الذين خوطبوا بالقرآن الكريم كان يتناول المسكر من التمر وغيره - إلى أن قال: اعلم أن اسم الخمر في كتاب الله عام لا يختص بعصير العنب. . . ثم قال وقد استفاضت الأحاديث عن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- بأن «كل مسكر خمر (٢)» وهو حرام.

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: «قلت: يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن.

قال: فكان رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم- قد أوتي جوامع الكلم بخواتمه. فقال: كل مسكر حرام (٣)». وفي صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- قال: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام (٤)» وأطال في ذلك.

ثم قال: وأما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات والمسكر منها حرام باتفاق العلماء بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكرا كالبنج فإن المسكر يجب فيه الحد وغير المسكر يجب فيه التعزير.

وأما قليل الحشيشة المسكرة فحرام عند جماهير العلماء كسائر القليل من المسكرات، وقول النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- «كل مسكر خمر وكل خمر حرام (٥)» يتناول ما يسكر ولا فرق بين أن يكون المسكر مأكولا أو مشروبا أو جامدا أو مائعا.

فلو اصطبغ الخمر كان حراما ولو أماع الحشيشة وشربها كان حراما ونبينا -صلى الله تعالى عليه وسلم- بعث بجوامع الكلم فإذا قال كلمة جامعة كانت عامة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه أو لم تكن ثم قال: وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المسكرات وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه والمسكر شر منها من وجه آخر، فإنها مع كونها تسكر آكلها حتى يبقى مصطولا تورث التخنث والديوثة وتفسد المزاج فتجعل الكبير كالسفنجة وتوجب كثرة الأكل وتورث الجنون. وكثير من الناس صار مجنونا بسبب أكلها. . .

ثم قال: إن الفقهاء قالوا إنه يجب فيها الحد كما يجب في الخمر، ولكنهم تنازعوا في نجاستها على ثلاثة أوجه في مذهب أحمد وغيره فقيل هي نجسة مطلقا وقيل ليست بنجسة وقيل رطبها نجس كالخمر ويابسها ليس بنجس. والصحيح أن النجاسة تتناول الجميع كما تتناول النجاسة مائع الخمر وجامدها فمن سكر من شرب سكر أو حشيشة مسكرة لم يحل له قربان المسجد حتى يصحو ولا تصح صلاته حتى يعلم ما يقول ولا بد أن يغسل فمه ويديه وثيابه في هذا وهذا والصلاة فرض عليه ولكن لا يقبل منه حتى يتوب أربعين يوما واستدل على ذلك (٦). . .


(١) جـ ٣٤ مجموع فتاوى ابن تيمية
(٢) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٠).
(٣) صحيح البخاري المغازي (٤٣٤٥)، صحيح مسلم الأشربة (١٧٣٣)، سنن النسائي الأشربة (٥٦٠٤)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٨٤)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩١)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤١٧)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٨).
(٤) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٠).
(٥) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٠).
(٦) البحث ص ٣٣