أبو صالح كاتب الليث: عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي: أنه وعظ، فقال في موعظته: أيها الناس، تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دار الثواء فيها قليل، وأنتم مرتحلون وخلائف بعد القرون، الذين استقالوا من الدنيا زهرتها كانوا أطول منكم أعمارا، وأجد أجساما، وأعظم آثارا، فجددوا الجبال، وجابوا الصخور ونقبوا في البلاد، مؤيدين ببطش شديد، وأجسام كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مدتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذكرهم، فما تحس منهم من أحد، ولا تسمع لهم ركزا. كانوا بلهو الأمل آمنين، ولميقات يوم غافلين، ولصباح قوم نادمين، ثم إنكم قد علمتم ما نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله، فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين، وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمه وزوال نعمه، ومساكن خاوية، فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم، وعبرة لمن يخشى، وأصبحتم في أجل منقوص، ودنيا مقبوضة، في زمان قد ولى عفوه، وذهب رخاؤه، فلم يبق منه إلا حمة شر، وصبابة كدر، وأهاويل غير، وأرسال فتن، ورذالة خلف.
الحكم بن موسى: حدثنا الوليد بن مسلم قال: ما كنت أحرص على السماع من الأوزاعي حتى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام، والأوزاعي إلى جنبه، فقلت: يا رسول الله، عمن أحمل العلم؟ قال: عن هذا. وأشار إلى الأوزاعي.
قلت: كان الأوزاعي كبير الشأن.
قال عمرو بن أبي سلمة التنيسي: حدثنا الأوزاعي، قال: رأيت كأن ملكين عرجا بي، وأوقفاني بين يدي رب العزة، فقال لي: أنت عبدي عبد الرحمن الذي تأمر بالمعروف؟ فقلت: بعزتك أنت أعلم. قال: فهبطا بي حتى رداني إلى مكاني. رواها عبد الله بن أحمد، عن الحسن بن عبد العزيز، عنه.