قلت: كان قدوة صالحا، عابدا قانتا لله، ربانيا، خاشعا مخلصا، عديم النظير، كبير القدر، كثير الأوراد والذكر، والمروءة والفتوة والصفات الحميدة، قل أن ترى العيون مثله. قيل: كان ربما تهجد فإن نعس ضرب على رجليه بقضيب حتى يطير النعاس، وكان يكثر الصيام، ولا يكاد يسمع بجنازة إلا شهدها، ولا مريض إلا عاده، ولا جهاد إلا خرج فيه، ويتلو كل ليلة سبعا مرتلا في الصلاة، وفي النهار سبعا بين الصلاتين، وإذا صلى الفجر تلا آيات " الحرس " و " يس " و " الواقعة " و " تبارك "، ثم يقرئ ويلقن إلى ارتفاع النهار. ثم يصلي الضحى، فيطيل، ويصلي طويلا بين العشائين ويصلي صلاة التسبيح كل ليلة جمعة، ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة قل هو الله أحد فقيل: كانت نوافله في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة، وله أذكار طويلة، ويقرأ بعد العشاء آيات الحرس، وله أوراد عند النوم واليقظة، وتسابيح، ولا يترك غسل الجمعة، وينسخ " الخرقي " من حفظه، وله معرفة بالفقه والعربية والفرائض. وكان قاضيا لحوائج الناس، ومن سافر من الجماعة يتفقد أهاليهم، وكان الناس يأتونه في القضايا فيصلح بينهم، وكان ذا هيبة ووقع في النفوس.
قال الشيخ الموفق: ربانا أخي، وعلمنا، وحرص علينا، كان للجماعة كالوالد يحرص عليهم، ويقوم بمصالحهم، وهو الذي هاجر بنا، وهو سفرنا إلى بغداد، وهو الذي كان يقوم في بناء الدير، وحين رجعنا زوجنا وبنى لنا دورا خارج الدير، وكان قلما يتخلف عن غزاة.