قال الشيخ الضياء: لما جرى على الحافظ عبد الغني محنته جاء أبا عمر الخبر، فخر مغشيا عليه، فلم يفق إلا بعد ساعة، وكان كثيرا ما يتصدق ببعض ثيابه، وتكون جبته في الشتاء بلا قميص، وربما تصدق بسراويله، وكانت عمامته قطعة بطانة، فإذا احتاج أحد إلى خرقة، قطع له منها، يلبس الخشن، وينام على الحصير، وربما تصدق بالشيء وأهله محتاجون إليه، وكان ثوبه إلى نصف ساقه، وكمه إلى رسغه، سمعت أمي تقول: مكثنا زمانا لا يأكل أهل الدير إلا من بيت أخي أبي عمر، وكان يقول: إذا لم تتصدقوا من يتصدق عنكم؟ والسائل إن لم تعطوه أنتم أعطاه غيركم، وكان هو وأصحابه في خيمة على حصار القدس فزاره الملك العادل، فلم يجده، فجلس ساعة، وكان الشيخ يصلي فذهبوا خلفه مرتين فلم يجئ، فأحضروا للعادل أقراصا فأكل وقام وما جاء الشيخ.
قال الصريفيني: ما رأيت أحدا قط ليس عنده تكلف غير الشيخ أبي عمر.
قال الشيخ العماد: سمعت أخي الحافظ يقول: نحن إذا جاء أحد اشتغلنا به عن عملنا، وإن خالي أبا عمر فيه للدنيا والآخرة، يخالط الناس ولا يخلي أوراده.
قلت: كان يخطب بالجامع المظفري، ويبكي الناس، وربما ألف الخطبة، وكان يقرأ الحديث سريعا بلا لحن، ولا يكاد أحد يرجع من رحلته إلا ويقرأ عليه شيئا من سماعه، وكتب الكثير بخطه المليح ك:" الحلية " و " إبانة ابن بطة " و " معالم التنزيل " و " المغني " وعدة مصاحف. وربما كتب كراسين كبارا في اليوم، وكان يشفع برقاع يكتبها إلى الوالي المعتمد وغيره. وقد استسقى مرة بالمغارة فحينئذ نزل غيث أجرى الأودية. وقال: مذ أممت ما تركت بسم الله الرحمن الرحيم.
وقد ساق له الضياء كرامات ودعوات مجابات، وذكر حكايتين في أنه قطب في آخر عمره. وكان إذا سمع بمنكر اجتهد في إزالته، ويكتب فيه إلى الملك، حتى سمعنا عن بعض الملوك أنه قال: هذا الشيخ شريكي في ملكي.