للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (١)، وكقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (٢)، وكقوله: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} (٣)، قالوا: فإذا كانت العطوف التي بأو في القرآن في كل ما أوجب الله به فرضا منها في سائر القرآن بمعنى التخيير، فكذلك ذلك في آية المحاربين، الإمام مخير فيما رأى الحكم به على المحارب إذا قدر عليه قبل التوبة.

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا تأويل من أوجب على المحارب من العقوبة على قدر استحقاقه، وجعل الحكم على المحاربين مختلفا باختلاف أفعالهم. فأوجب على مخيف السبيل منهم إذا قدر عليه قبل التوبة وقبل أخذ مال أو قتل: النفي من الأرض، وإذا قدر عليه بعد أخذ المال وقتل النفس المحرم قتلها: الصلب؛ لما ذكرت من العلة قبل لقائلي هذه المقالة.

فأما ما اعتل به القائلون: إن الإمام فيه بالخيار من أن " أو " في العطف تأتي بمعنى التخيير في الفرض فقول: لا معنى له لأن أصل " أو " في كلام العرب قد تأتي بضروب من المعاني لولا كراهة إطالة الكتاب بذكرها لذكرتها، وقد بينت كثيرا من معانيها فيما مضى، وسنأتي على باقيها فيما يستقبل في أماكنها إن شاء الله، (٤)، فأما في هذا الموضع فإن معناها التعقيب، وذلك نظير قول القائل: إن جزاء المؤمنين عند الله يوم القيامة أن يدخلهم الجنة أو يرفع منازلهم في عليين أو يسكنهم مع الأنبياء والصديقين. فمعلوم أن قائل ذلك غير قاصد بقوله إلى أن جزاء كل مؤمن آمن بالله ورسوله فهو في مرتبة واحدة من هذه المراتب ومنزلة واحدة من هذه المنازل بإيمانه بل المعقول عنه. أن معناه: أن جزاء المؤمن لم يخل عند الله من بعض هذه المنازل: فالمقتصد منزلته دون منزلة السابق بالخيرات، والسابق بالخيرات أعلى منه منزلة، والظالم لنفسه دونهما، وكل في الجنة، كما قال جل ثناؤه: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} (٥)؛ فكذلك معنى المعطوف


(١) سورة المائدة الآية ٨٩
(٢) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٣) سورة المائدة الآية ٩٥
(٤) لكنها ظاهرة في التخيير فلا تصرف عنه إلا بدليل
(٥) سورة الرعد الآية ٢٣