تائبا لم يقتطع مالا ولم يسفك دما ترك، فذلك الذي قال الله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}(١) يعني بذلك أنه لم يسفك دما ولم يقتطع مالا.
وقال آخرون: بل عني بالاستثناء في ذلك التائب من حربه الله ورسوله والسعي في الأرض فسادا لحاقه في حربه بدار الكفر، فأما إذا كانت حرابته وحربه وهو مقيم في دار الإسلام وداخل في غمار الأمة؛ فليست توبته واضعة عنه شيئا من حدود الله ولا من حقوق المسلمين والمعاهدين بل يؤخذ بذلك.
ذكر من قال ذلك
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: أخبرني إسماعيل عن هشام بن عروة أنه أخبره أنهم سألوا عروة عمن تلصص في الإسلام فأصاب حدودا ثم جاء تائبا؟ فقال: لا تقبل توبته؛ لو قبل ذلك منهم اجترءوا عليه، وكان فسادا كبيرا، ولكن لو فر إلى العدو ثم جاء تائبا لم أر عليه عقوبة.
وقد روي عن عروة خلاف هذا القول، وهو ما حدثني به علي قال: ثنا الوليد قال أخبرني من سمع هشام بن عروة عن عروة قال يقام عليه حد ما فر منه، ولا يجوز لأحد فيه أمان، يعني الذي يصيب حدا، ثم يفر فيلحق الكفار ثم يجيء تائبا.
وقال آخرون: إن كانت حرابته أو حربه في دار الإسلام، وهو في غير منعة من فئة يلجأ إليها ثم جاء تائبا قبل القدرة عليه، فإن توبته لا تضع عنه شيئا من العقوبة ولا من حقوق الناس، وإن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام أو هو لاحق بدار الكفر غير أنه في كل ذلك كان يلجأ إلى فئة تمنعه ممن أراده من سلطان المسلمين، ثم جاء تائبا قبل القدرة عليه؛ فإن توبته تضع عنه كل ما كان من إحداثه في أيام حرابته تلك، إلا أن يكون أصاب حدا أو أمر الرفقة بما فيه عقوبة أو غرم لمسلم أو معاهد، وهو غير ملتجئ إلى فئة تمنعه؛ فإنه يأخذ بما أصاب من ذلك، وهو كذلك ولا يضع ذلك عنه توبته.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد، قال: قال أبو عمرو: إذا قطع الطريق أو جماعة من اللصوص فأصابوا ما أصابوا من الدماء والأموال ولم يكن لهم فئة يلجئون إليها