فبينا أنا في سوقها، إذ بقافلة من بغداد من أهل المدينة، وإن صاحبهم بكارا الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة، وهو أصدق الناس لي، فقلت: أدعه حتى ينزل ويستقر، ثم أتيته، فاستخبرني أمري، فقال: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحد، قلت: أصير إلى المدينة، قال: هذا رأي خطأ، ولكن صر معي، فأنا الذاكر ليحيى بن خالد أمرك، قال: فصرت معهم إلى الرقة، فلما كان من الغد، ذهبت إلى باب الوزير، فإذا الزبيري قد خرج، فقال: أبا عبد الله أنسيت أمرك، قف حتى أدخل إليه فدخل ثم خرج الحاجب، فقال لي: ادخل، فدخلت في حال خسيسة، وقد بقي من رمضان ثلاثة أو أربعة أيام، فلما رآني يحيى في تلك الحال، رأيت الغم في وجهه، فقرب مجلسي، وعنده قوم يحادثونه، فجعل يذاكرني الحديث بعد الحديث، وقال: أفطر عندنا، فأفطرت عنده، وأعطاني خمس مائة دينار، وقال: عد إلينا، فذهبت، فتجملت، واكتسيت، ولقيت الزبيري، فلما رآني بتلك الحال، سر، وأخبرته الخبر، ولم يزل الوزير يقربني، ويوصلني كل ليلة خمس مائة دينار إلى ليلة العيد، فقال لي: يا أبا عبد الله، تزين غدا لأمير المؤمنين بأحسن زي للقضاة، واعترض له، فإنه سيسألني عن خبرك، فأخبره، ففعلت، قال: وجعل أمير المؤمنين يلحظني في الموكب، ثم نزلنا، ومضيت مع يحيى بن خالد، فقال لي: يا أبا عبد الله ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك، فأخبرته بخبر حجنا، وقد أمر بثلاثين ألف درهم، ثم تجهزت إلى المدينة. وكيف ألام على حب يحيى؟ وساق حكاية طويلة.