للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الممتنعة المحاربة لله ولرسوله، الساعية في الأرض فسادا على وجه الردة عن الإسلام. فكذلك حكم كل ممتنع سعى في الأرض فسادا جماعة كانوا أو واحدا. فأما المستخفي بسرقته والمتلصص على وجه إغفال من سرقة، والشاهر السلاح في خلاء على بعض السابلة، وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع؛ فإن حكم الله عليه تاب أو لم يتب ماس، وبحقوق من أخذ ماله أو أصاب وليه بدم أو ختل مأخوذ، وتوبته فيما بينه وبين الله قياسا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئا من ذلك وهو للمسلمين سلم ثم صار لهم حربا إن حربه إياهم لن يضع عنه حقا لله - عز ذكره -. ولا لآدمي، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء أو باستخفاء وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده، ولا له فئة يلجأ إليها مانعة منه.

وفي قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (١) دليل واضح لمن وفق لفهمه أن الحكم الذي ذكره الله في المحاربين يجري في المسلمين والمعاهدين دون المشركين الذين قد نصبوا للمسلمين حربا؛ وذلك أن ذلك لو كان حكما في أهل الحرب من المشركين دون المسلمين ودون ذمتهم لوجب أن لا يسقط إسلامهم عنهم إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل، وما للمسلمين في أهل الحرب من المشركين، وفي إجماع المسلمين أن إسلام المشرك الحربي يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل القدرة عليه، ما يدل على أن الصحيح من القول في ذلك قول من قال: عني بآية المحاربين في هذا الموضع حراب أهل الإسلام أو الذمة دون من سواهم من مشركي أهل الحرب.

وأما قوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢) فإن معناه فاعلموا أيها المؤمنون؛ أن الله غير مؤاخذ من تاب من أهل الحرب لله ولرسوله الساعين في الأرض فسادا وغيرهم بذنوبه، ولكنه يعفو عنه فيسترها عليه ولا يفضحه بها بالعقوبة في الدنيا والآخرة، رحيم به في عفوه عنه، وتركه عقوبته عليها.


(١) سورة المائدة الآية ٣٤
(٢) سورة المائدة الآية ٣٤