للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يطلق على أنواع من الشر حتى قال كثير من السلف - منهم سعيد بن المسيب -: إن قبض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (١). ثم قال بعضهم: نزلت هذه الآية الكريمة في المشركين كما قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد عن عكرمة، والحسن البصري قالا: {الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (٢) نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد، إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه، لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصاب، ورواه أبو داود والنسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس: {الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (٣) نزلت في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (٤) الآية، قال: كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد وميثاق، فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، فخير الله رسوله إن شاء أن يقتل، وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، رواه ابن جرير.

وروى شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: نزلت في الحرورية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (٥) رواه ابن مردويه، والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قلابة، واسمه عبد الله بن زيد الحرمي البصري، عن أنس بن مالك: «أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة، وسقمت أجسامهم فشكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها، فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا (٦)» لفظ مسلم. وفي لفظ لهم: من عكل أو عرينة وفي لفظ: «والقوافي


(١) سورة البقرة الآية ٢٠٥
(٢) سورة المائدة الآية ٣٣
(٣) سورة المائدة الآية ٣٣
(٤) سورة المائدة الآية ٣٣
(٥) سورة المائدة الآية ٣٣
(٦) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٩)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠٢٤)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٨٦).