للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه قتل المحارب، ورواه عثمان وعبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر فيه قتل المحارب، والصحيح منها ما لم يذكر ذلك فيه؛ لأن المرتد لا محالة مستحق للقتل بالاتفاق، وهو أحد الثلاثة المذكورين في خبر هؤلاء، فلم يبق من الثلاثة غيرهم، ويكون المحارب إذا لم يقتل خارجا منهم، وإن صح ذكر المحارب فيه فالمعنى فيه إذا قتل؛ حتى يكون موافقا للإخبار الآخر، وتكون فائدته جواز قتله على وجه الصلب. فإن قيل: فقد ذكر فيه: أو ينفى من الأرض. قيل له: لا يمتنع أن يكون مبتدأ قد أضر فيه إن لم يقتل (١). فإن قيل: فقد يقتل الباغي وإن لم يقتل، وهو خارج عن الثلاثة المذكورين في الخبر. قيل له: ظاهر الخبر ينفي قتله، وإنما قتلناه بدلالة الاتفاق وبقي حكم الخبر في نفي قتل المحارب إلا أن يقتل على العموم، وأيضا فإن الخبر إنما ورد فيمن استحق القتل بفعل سبق منه واستقر حكمه عليه، كالزاني المحصن والمرتد والقاتل، والباغي لا يستحق القتل على هذا الوجه، وإنما يقتل على وجه الدفع، ألا ترى أنه لو قعد في بيته ولم يقاتل: لم يقتل، وإن كان معتقدا لمقالة أهل البغي فثبت بما وصفنا أن حكم الآية على الترتيب على الوجه الذي بينا لا على التخيير، ويدل على أن في الآية ضميرا ولا تخيير فيها باتفاق الجميع (٢)، على أنهم لو أخذوا مالا ولم يقتلوا لم يجز للإمام أن ينفيهم ويترك قطع أيدهم وأرجلهم، وكذلك لو قتلوا وأخذوا المال لم يجز للإمام أن يعفيهم من القتل أو الصلب (٣)، ولو كان الأمر على ما قال القائلون بالتخيير لكان التخيير ثابتا فيما إذا أخذوا المال وقتلوا، أو أخذوا المال ولم يقتلوا، فلما كان ذلك على ما وصفنا ثبت أن في الآية ضميرا، وهو أن يقتلوا إن قتلوا، أو يصلبوا إن قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال ولم يقتلوا، أو ينفوا من الأرض إن خرجوا ولم يفعلوا شيئا من ذلك حتى ظفر بهم (٤). واحتج القائلون بالتخيير بظاهر الآية، وبقوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (٥)، فدل على أن الفساد في الأرض بمنزلة قتل النفس في باب وجوب قتله.


(١) الأصل عدم الإضمار
(٢) تقدم أن في المسألة خلافا
(٣) بل يجوز له ذلك عندهم
(٤) الأصل عدم الإضمار وإبقاء الآية على ظاهرها
(٥) سورة المائدة الآية ٣٢