للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرجلهم من خلاف، لا خلاف بين أصحابنا في ذلك، فإن قتلوا وأخذوا المال فإن أبا حنيفة قال: للإمام أربع خيارات: إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم وقتلهم، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم، وإن شاء صلبهم، وإن شاء قتلهم وترك القطع، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا قتلوا وأخذوا المال فإنهم يصلبون ويقتلون ولا يقطعون، وروي عن أبي يوسف في الإملاء أنه قال: إن شاء قطع يده ورجله وصلبه، فأما الصلب فلا أعفيه منه. وقال الشافعي في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال: قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال: قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا: قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل: نفوا، وإذا هربوا: طلبوا حتى يؤخذوا فيقام عليهم الحدود، إلا من تاب قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد ولا يسقط حقوق الآدميين، ويحتمل أن يسقط كل حق لله تعالى بالتوبة ويقطع من أخذ ربع دينار فصاعدا. وقال مالك: إذا أخذ المحارب المخيف للسبيل فإن الإمام مخير في إقامة أي الحدود التي أمر الله تعالى بها، قتل المحارب أو لم يقتل، أخذ مالا أو لم يأخذ، الإمام مخير في ذلك: إن شاء قتله، وإن شاء قطعه خلافا، وإن شاء نفاه، ونفيه حبسه حتى يظهر توبة، فإن لم يقدر على المحارب حتى يأتيه تائبا وضع عنه حد المحاربة القتل والقطع والنفي، وأخذ بحقوق الناس. وقال الليث بن سعد: الذي يقتل ويأخذ المال يصلب فيطعن بالحربة حتى يموت، والذي يقتل فإنه يقتل بالسيف، وقال أبو الزناد في المحاربين: ما يصنع الوالي فيهم فهو صواب: من قتل أو صلب أو قطع أو نفي، قال أبو بكر: الدليل (١) على أن حكم الآية على الترتيب الذي ذكرنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس (٢)»، فنفى - صلى الله عليه وسلم - قتل من خرج عن هذه الوجوه الثلاثة، ولم يخصص فيه قطاع الطريق، فانتفى بذلك قتل من لم يقتل من قطاع الطريق، وإذا انتفى قتل من لم يقتل وجب قطع يده ورجله، إذا أخذ المال وهذا لا خلاف فيه (٣).

فإن قيل: روى إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، ورجل قتل رجلا فقتل به، ورجل خرج محاربا لله ولرسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض (٤)». قيل له: قد روي هذا الحديث من وجوه صحاح ولم يذكر


(١) ستأتي مناقشته فيما ينقل عن أبي بكر بن العربي والقرطبي
(٢) سنن الترمذي كتاب الفتن (٢١٥٨)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٩)، سنن أبو داود الديات (٤٥٠٢)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٦٣)، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٧).
(٣) تقدم أن فيه خلافا
(٤) سنن الترمذي كتاب الفتن (٢١٥٨)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٩)، سنن أبو داود الديات (٤٥٠٢)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٦٣)، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٧).