إلا أن تقوم الدلالة على الاقتصار به على السبب، وأيضا فإن من ذكر نزولها في شأن العرنيين فإنه ما ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول الآية قال شيئا، وإنما تركهم في الحرة حتى ماتوا، ويستحيل نزول الآية في الأمر بقطع من قد قطع وقتل من قد قتل؛ لأن ذلك غير ممكن؛ فعلمنا أنهم غير مرادين بحكم الآية، ولأن الآية عامة في سائر من يتناوله الاسم غير متصور الحكم على المرتدين، وقد روى همام عن قتادة عن ابن سيرين قال: كان أمر العرنيين قبل أن ينزل الحدود، فأخبر أنه كان قبل نزول الآية، ويدل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمل أعينهم، وذلك منسوخ بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المثلة. . .
ثم قال (ذكر الاختلاف في ذلك)
واختلف السلف وفقهاء الأمصار في حكم الآية من وجوه أنا ذاكرها بعد اتفاقهم على أن حكم الآية جار في أهل الملة إذا قطعوا الطريق، فروى الحجاج بن أرطأة عن عطية العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}(١) الآية، قال: إذا حارب الرجل فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف وقتل وصلب، فإن قتل ولم يأخذ المال قتل، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا لم يقتل ولم يأخذ المال نفي. وروى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم في الرجل يقطع الطريق ويأخذ المال ويقتل أن الإمام فيه بالخيار، إن شاء قطع يده ورجله من خلاف وقتله وصلبه، وإن شاء صلبه ولم يقطع يده ولا رجله، وإن شاء قتله ولم يصلبه، فإن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإن لم يأخذ مالا ولم يقتل عزر، ونفي من الأرض، ونفيه حبسه، وفي رواية أخرى: أوجع عقوبة وحبس حتى يحدث خيرا، وهو قول الحسن رواية وسعيد بن جبير وحماد وقتادة وعطاء الخراساني، فهذا قول السلف الذين جعلوا حكم الآية على الترتيب، وقال الآخرون: الإمام مخير فيهم إذا خرجوا يجري عليهم أي هذه الأحكام شاء، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا، وممن قال ذلك سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن رواية وعطاء بن أبي رباح. وقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد: إذا قتل المحاربون ولم يعدوا ذلك قتلوا، وإن أخذوا المال ولم يعدوا ذلك قطعت أيديهم