ومن كتاب سيف عن رجاله قال: كان عمر لا يخفى عليه شيء من عمله، وإن خالدا أجاز الأشعث بعشرة آلاف، فدعا البريد، وكتب إلى أبي عبيدة أن تقيم خالدا وتعقله بعمامته، وتنزع قلنسوته حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث؟ أمن مال الله أم من ماله؟ فإن زعم أنه من إصابة أصابها، فقد أقر بخيانة، وإن زعم أنها من ماله، فقد أسرف، واعزله على كل حال، واضمم إليك عمله. ففعل ذلك.
فقدم خالد على عمر فشكاه وقال: لقد شكوتك إلى المسلمين، وبالله يا عمر إنك في أمري غير مجمل. فقال عمر: من أين هذا الثراء؟ قال: من الأنفال والسهمان، ما زاد على الستين ألفا فلك تقوم عروضه. قال: فخرجت عليه عشرون ألفا، فأدخلها بيت المال، ثم قال: يا خالد، والله إنك لكريم علي وإنك لحبيب إلي، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه: عزل عمر خالدا فلم يعلمه أبو عبيدة حتى علم من الغير. فقال: يرحمك الله ; ما دعاك إلى أن لا تعلمني؟ قال: كرهت أن أروعك.
جويرية بن أسماء: عن نافع قال: قدم خالد من الشام وفي عمامته أسهم ملطخة بالدم، فنهاه عمر.
الأصمعي: عن ابن عون، عن ابن سيرين، أن خالد بن الوليد دخل وعليه قميص حرير، فقال عمر: ما هذا؟ قال: وما بأسه؟ قد لبسه ابن عوف. قال: وأنت مثله؟! عزمت على من في البيت إلا أخذ كل واحد منه قطعة، فمزقوه.
روى عاصم ابن بهدلة: عن أبي وائل أظن قال: لما حضرت خالدا الوفاة، قال: لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيء أرجى عندي - بعد التوحيد - من ليلة بتها وأنا متترس، والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار. ثم قال: إذا مت، فانظروا إلى سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدة في سبيل الله.
فلما توفي، خرج عمر على جنازته، فذكر قوله: ما على آل الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة.