للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشافعي: إذا أخذ في الحرابة نصابا قلنا: أنصف من نفسك أبا عبد الله، ووف شيخك حقه لله. إن ربنا - تبارك وتعالى - قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (١)، فاقتضى هذا قطعه في حقه. وقال في المحاربة: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (٢) فاقتضى بذلك توفية الجزاء لهم على المحاربة عن حقه، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في السارق أن قطعه في نصاب وهو ربع دينار، وبقيت المحاربة على عمومها. فإن أردت أن ترد المحاربة إلى السرقة كنت ملحقا الأعلى بالأدنى، وخافضا الأرفع إلى الأسفل، وذلك عكس القياس، وكيف يصح أن يقاس المحارب - وهو يطلب النفس إن وقي المال بها - على السارق، وهو يطلب خطف المال، فإن شعر به فر، حتى إن السارق إذا دخل بالسلاح يطلب المال فإن منع منه أو صيح عليه وحارب عليه فهو محارب، يحكم عليه بحكم المحارب.

قال القاضي: وكنت في أيام حكمي بين الناس إذا جاءني أحد بسارق، وقد دخل الدار بسكين يحبسه على قلب صاحب الدار وهو نائم وأصحابه يأخذون مال الرجل حكمت فيهم بحكم المحاربين، فافهموا هذا من أصل الدين، وارتفعوا إلى بقاع العلم عن حضيض الجاهلين.

والمسكت للشافعي أنه لم يعتبر الحرز فلو كان المحارب ملحقا بالسارق لما كان ذلك إلا على حرز.

وتحريره أن يقول أحد شرطي السرقة فلا يعتبر في المحارب كالحرز والتعليل النصاب.

المسألة التاسعة - إذا صلب الإمام المحارب فإنه يصلبه حيا.

وقال الشافعي: يصلبه ميتا ثلاثة أيام؛ لأن الله تعالى قال {يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} (٣) فبدأ بالقتل.

قلنا: نعم، القتل مذكور أولا، ولكن بقي أنا إذا جمعنا بينهما كيف يكون الحكم ههنا هو الخلاف، والصلب حيا أصح؛ لأنه أنكى وأفضح، وهو مقتضى معنى الردع الأصلح.

المسألة العاشرة - لا خلاف في أن الحرابة يقتل فيها من قتل، وإن لم يكن المقتول


(١) سورة المائدة الآية ٣٨
(٢) سورة المائدة الآية ٣٣
(٣) سورة المائدة الآية ٣٣