للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفسا بغير نفس (١)»، فمن لم يقتل كيف يقتل.

قالوا: وأما قولكم: إنها على التخيير فإن التخيير يبدأ فيه بالأخف ثم ينتقل فيه إلى الأثقل، وههنا بدأ بالأثقل ثم انتقل إلى الأخف؛ فدل على أنه قرر ترتيب الجزاء على الأفعال، فترتب عليه بالمعنى، فمن قتل قتل، فإن زاد وأخذ المال صلب، فإن الفعل جاء أفحش، فإن أخذ المال وحده قطع من خلاف، وإن أخاف نفي.

الجواب: الآية نص في التخيير، وصرفها إلى التعقيب والتفصيل تحكم على الآية وتخصيص لها، وما تعلقوا منه بالحديث لا يصح؛ لأنهم قالوا: يقتل الردة ولم يقتل، وقد جاء القتل بأكثر من عشرة أشياء منها متفق عليها، ومنها مختلف فيها، فلا تعلق بهذا الحديث لأحد. وتحرير الجواب القطع لتشغيبهم، إن الله تعالى رتب التخيير على المحاربة والفساد، وقد بينا أن الفساد وحده موجب للقتل، ومع المحاربة أشد.

المسألة السابعة - قوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (٢)

وفيه أربعة أقوال:

الأول - يسجن، قاله أبو حنيفة وأهل الكوفة، وهو مشهور مذهب مالك في غير بلد الجناية.

الثاني: ينفى إلى بلد الشرك، قاله أنس والشافعي والزهري وقتادة وغيرهم.

الثالث - يخرجون من مدينة إلى مدينة أبدا، قاله ابن جبير وعمر بن عبد العزيز.

الرابع - يطلبون بالحدود أبدا، فيهربون منها، قاله ابن عباس والزهري وقتادة ومالك.

والحق أن يسجن فيكون السجن له نفيا من الأرض، وأما نفيه إلى بلد الشرك فعون له على الفتك، وأما نفيه من بلد إلى بلد فشغل لا يدان به لأحد، وربما فر فقطع الطريق ثانية.

وأما قول من قال: يطلب أبدا، وهو يهرب من الحد فليس بشيء، فإن هذا ليس بجزاء، وإنما هو محاولة طلب الجزاء.

المسألة الثامنة - قوله تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ} (٣)


(١) سنن الترمذي كتاب الفتن (٢١٥٨)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٩)، سنن أبو داود الديات (٤٥٠٢)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٦٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٧).
(٢) سورة المائدة الآية ٣٣
(٣) سورة المائدة الآية ٣٣