للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمثلوا فمثل بهم إلا أنه يحتمل أن يكون العتاب إن صح على الزيادة في القتل، وذلك تكحيلهم بمسامير محماة، وتركهم عطاشى حتى ماتوا، والله أعلم. وحكى الطبري عن السدي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسمل أعين العرنيين، وإنما أراد ذلك، فنزلت الآية ناهية عن ذلك وهذا ضعيف جدا؛ فإن الأخبار الثابتة وردت بالسمل في صحيح البخاري: «فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم (١)». ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام، وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود. وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (٢) واستعارة ومجاز إذ أن الله - سبحانه وتعالى - لا يحارب ولا يغالب لما هو عليه من صفات الكمال. ولما وجب له من التنزيه عن الأضداد والأنداد. والمعنى يحاربون أولياء الله، فعبر بنفسه العزيزة عن أوليائه إكبارا لإذايتهم كما عبر بنفسه عن الفقراء الضعفاء في قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (٣) حثا على الاستعطاف عليهم، ومثله في صحيح مسلم «استطعمتك فلم تطعمني (٤)» الحديث أخرجه مسلم، وقد تقدم في (البقرة).

الثانية - اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة، فقال مالك: المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو في برية وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا ذحل ولا عداوة، قال ابن المنذر اختلف عن مالك في هذه المسألة، فأثبت المحاربة في المصر مرة، وفي ذلك مرة، وقالت طائفة حكم ذلك في المصر أو في المنازل والطرق وديار أهل البادية والقرى سواء، وحدودهم واحدة، وهذا قول الشافعي وأبي ثور قال ابن المنذر: كذلك هو لأن كلا يقع عليه اسم المحاربة والكتاب على العموم، وليس لأحد أن يخرج من جملة الآية قوما بغير حجة، وقالت طائفة لا تكون المحاربة في المصر إنما تكون خارجا عن المصر، هذا قول سفيان الثوري وإسحاق والنعمان والمغتال كالمحارب، وهو الذي يحتال في قتل إنسان على أخذ ماله، وإن لم يشهر السلاح ولكن دخل عليه بيته أو صحبه في سكر فأطعمه سما فقتله فيقتل هذا لا قودا.

الثالثة - واختلفوا في حكم المحارب، فقالت طائفة: يقام عليه بقدر فعله، فمن أخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف. وإن أخذ المال وقتل قطعت يده


(١) صحيح البخاري الحدود (٦٨٠٤)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي الطهارة (٣٠٥)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٦٣).
(٢) سورة المائدة الآية ٣٣
(٣) سورة البقرة الآية ٢٤٥
(٤) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٦٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٠٤).