للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حامد بن يحيى البلخي: حدثنا حفص أبو مقاتل السمرقندي، حدثنا عون بن أبي شداد: بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا يسمى المتلمس بن أحوص في عشرين من أهل الشام. فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعته، فسألوه عنه فقال: صفوه لي، فوصفوه فدلهم عليه، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته، فدنوا وسلموا، فرفع رأسه، فأتم بقية صلاته، ثم رد السلام، فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك، فأجبه، قال: ولا بد من الإجابة؟ قالوا: لا بد. فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب، فقال الراهب: يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم؟ قالوا: نعم. فقال: اصعدوا، فإن اللبؤة والأسد يأويان حول الدير. ففعلوا وأبى سعيد أن يدخل. فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا، قال: لا، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا، قالوا: فإنا لا ندعك، فإن السباع تقتلك، قال: لا ضير، إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني، قالوا: فأنت من الأنبياء؟ قال: ما أنا من الأنبياء، ولكن عبد من عبيد الله مذنب. قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينة. فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد، قال: إني أعطي العظيم الذي لا شريك له، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله. فرضي الراهب بذلك، فقال لهم: اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح ; فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم. فلما صعدوا وأوتروا القسي، إذا هم بلبؤة قد أقبلت، فلما دنت من سعيد، تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه. وأقبل الأسد يصنع كذلك. فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا، نزل إليه، فسأله عن شرائع دينه، وسنن رسوله، ففسر له سعيد ذلك كله، فأسلم.