توفي بقلعة دمشق بعد الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
محاسن صلاح الدين جمة، لا سيما الجهاد، فله فيه اليد البيضاء ببذل الأموال والخيل المثمنة لجنده. وله عقل جيد، وفهم، وحزم، وعزم.
قال العماد: أطلق في مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس. قال: وما حضر اللقاء إلا استعار فرسا، ولا يلبس إلا ما يحل لبسه كالكتان والقطن، نزه المجالس من الهزل، ومحافله آهلة بالفضلاء، ويؤثر سماع الحديث بالأسانيد، حليما، مقيلا للعثرة، تقيا نقيا، وفيا صفيا، يغضي ولا يغضب، ما رد سائلا، ولا خجل قائلا، كثير البر والصدقات، أنكر علي تحلية دواتي بفضة، فقلت: في جوازه وجه ذكره أبو محمد الجويني. وما رأيته صلى إلا في جماعة.
قلت: وحضر وفاته القاضي الفاضل.
وذكر أبو جعفر القرطبي إمام الكلاسة إنني انتهيت في القراءة إلى قوله تعالى: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة فسمعت صلاح الدين، وهو يقول: صحيح. وكان ذهنه قبل ذلك غائبا ثم مات، وغسله الخطيب الدولعي، وأخرج في تابوت، فصلى عليه القاضي محيي الدين ابن الزكي، وأعيد إلى الدار التي في البستان التي كان متمرضا فيها، ودفن في الصفة، وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظم الضجيج، حتى إن العاقل ليخيل له أن الدنيا كلها تصيح صوتا واحدا، وغشي الناس ما شغلهم عن الصلاة عليه، وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان من صدق وفائه. ثم بنى ولده الأفضل قبة شمالي الجامع، نقله إليها بعد ثلاث سنين، فجلس هناك للعزاء ثلاثا.
وكان شديد القوى، عاقلا، وقورا، مهيبا، كريما، شجاعا.