للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعقل شرع لحفظه من حيث الوجود ما شرع لحفظ النفس من تناول الغذاء الذي يتوقف على البقاء كما شرع لحفظه من حيث المنع تحريم المسكرات والمخدرات مع عقوبة من تناول شيئا من ذلك.

ثم قال: لهذا جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم المسكرات والمخدرات لمفاسدها بالنسبة إلى الفرد وإلى المجتمع سواء في الدين أو النفس أو العرض، أو العقل أو المال، ثم تناول بيان حقيقة كل من المسكر والمخدر وحقيقة الخمر وقال إنها كل ما اختمر وأسكر من عصير العنب أو التمر أو الشعير أو غير ذلك.

ثم ذكر أن الاصطلاح الفقهي يختلف: -

فالحنفية يعرفون الخمر بأنها ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار يقولون: إنها كل شراب يسكر سواء أكان من عصير العنب أو غيره ويدخل في ذلك جميع المواد الكحولية التي تحدث الإسكار وبهذا يقول محمد صاحب أبي حنيفة: وهذا هو الراجح المتمشي مع اللغة والأحاديث الصحيحة، وساق أحاديث كثيرة تدل على ذلك.

ثم قال: يستنتج من الأحاديث أن الشارع لم يحرم الخمر لكونها من نوع معين من المأكولات ولا نحو ذلك إنما لأثرها الذي تحدثه وهو الإسكار كما أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- قد أعطانا قاعدة نستطيع أن نميز بها الخمر من غيرها من قوله «كل مسكر خمر وكل خمر حرام (١)» وأنه يدخل في ذلك ما ثبت إسكاره من أي مادة ولو كانت خبزا أو ماء كما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت (لا أحل سكرا وإن كان خبزا أو ماء).

وقال الحافظ ابن رجب: كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يستدلون بقول النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- «كل مسكر حرام (٢)» على تحريم جميع أنواع المسكرات ما كان على عهد النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- وما حدث بعده، وساق أثرا لابن عباس في هذا المعنى، ثم ساق أنواعا من الخمر التي كانت معروفة في القديم أو عرفت في الحديث كالنبع والمرار والجفه والبيرة والغبيراء والبوظة والفصيح وغير ذلك، ثم قال: ومنها الحشيشة التي كان أول حدوثها في أواخر المائة السادسة أو قريبا من ذلك كما قال ابن تيمية ص ٩ - ومنها الأفيون (معروف).

وقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن تعاطي الأفيون لأغراض الكيف وتحقيق الشعور والنشوة والراحة في غاية الخطر على حياة الفرد والجماعة وظاهرة تعاطي المخدرات، ثم ذكر أنواعا من الخمور مثل البراندي والوسكي وغيرهما وأورد نسبة الكحول في كل منها وأنها تخالف الخمر في الأسماء وتتفق معها في الخصائص فهي محرمة مثلها.

ثم ذكر تعريفا باسم المخدرات أو المفترات. عرف المخدرات بأنها المواد التي تسبب في الإنسان الاسترخاء وفقد الوعي مع التفاوت وقد تؤدي إلى الوفاة. . والمفتر بمعنى المخدر وذكر كلام بعض العلماء في ذلك، وذكر من المخدرات ورق الشيش والبنج وجوزة الطيب وقال إن الأنواع كثيرة جدا كالخمور ثم أورد البحث تشديد الإسلام في تحريم المسكرات والمخدرات.

وأوضح ذلك بأنها تتنافى مع المحافظة على الضروريات الخمس السابقة، وأضاف أن الشارع جاء بتعليمات تستهدف إيجاد أمة قوية في إيمانها وأبدانها وعقولها. والمسكرات والمخدرات من عوامل الضعف وأورد آية التحريم البات للخمر. ثم قال: أجمعت الأمة الإسلامية قديما وحديثا على تحريم الخمر وأن علماء الإسلام نصوا على تحريم طائفة من المخدرات في عصورهم واعتبروا بأن


(١) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٠).
(٢) صحيح البخاري المغازي (٤٣٤٣)، صحيح مسلم الأشربة (١٧٣٣)، سنن النسائي الأشربة (٥٦٠٤)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٨٤)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩١)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤١٧)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٨).